تطحن بالماء ومزارع حناء إلى غير ذلك، وبالجملة ما رأيت في البلاد التي سلكتها شرقًا وغربًا أحسن منها ولا أحصن ولا أجمع لأسباب المعاش" اهـ.
وذكر أن عام ستين وألف بعد الهجرة كان عام وباء وأنه مات به في بسكرة نحوا من سبعين ألف نفس، وهذا يرشد إلى مبلغ عمرانها بعد بني مزني بأكثر من قرنين ونصف قاست فيها ألوانا من الشر وضروبًا من الفتن فكيف يكون عمرانها أيام سعادتها وهنائها تحت حكم بني مزني؟
أحسن بنو مزني سياسة الرعية، وعاشوا مع رياح أحسن مما عاش معهم الحفصيون حتى أن ثورة سعادة لم تشمل رياحًا أجمعين، وكان مع بني مزني علي بن أحمد ثم نافسهم لاستئثارهم بمال الجباية دونه، فثار عليهم متدثرًا بالسنية، ولكن يوسف بن منصور استمال ابنه يعقوب وابن عمه سُلَيْمان بن علي بن سباع، وأنزلهما معه بسكرة وأنكح أخته يعقوب، ثم انعقدت السلم بين يوسف بن مزني وعلي بن أحمد حوالي سنة ٧٤٠ هـ فلم تنقض بعد.
وكانت بطانة أمراء الحفصيين ببجاية تحسد بني مزني على هنائهم وثروة إمارتهم، فتسعى بهم لدى الأمراء، وكان بنو مزني يطفئون تلك السعايات بتوفير الجبايه للأمراء وإتحاف بطانتهم بالهدايا، وربما لم ينجح هذا الدواء فيضطر بنو مزني إلى نصب أحد الحفصيين للمُلك ومبايعته ضد الأمير السابق أو إلى موالاة زناته أهل تلمسان وفاس.
ففي أيام أبي البقاء بن أبي زكريا فر يحيى بن خالد ابن السلطان أبي إسحاق إلى منصور بن مزني وقد فسد ما بينه وبين أبي البقاء فبايعه وأجلب به على قسنطينة، ووسوس ليحيى بعض حاشيته في منصور فعزم على نكبته إذا تم أمره وشعر به منصور فنبذه، وراجع طاعة أبي البقاء وخاب سعي يحيى، فنزل على منصور، وأقام تحب جرايته وحرسه مرصدًا للعواقب إلى أن مات سنة ٧٢١ هـ فكان ابن اللحياني كل يصانع منصورًا من أجله بالجوائز وأقطعه من أملاك السلطان بضواحي تونس أملاكًا ورثها عنوة بنوه.
ودعا منصور لأبي تاشفين الأول أيام أبي بكر أخي أبي البقاء، وترددت إليه العساكر فأعجزها، وبقي على ذلك إلى أن خلفه ابنه عبد الواحد، فلم يلبث أن