المنتصر أطلقها وردها إلى أخيها، وهاجم المعز زناته مرة أخرى، ولم تكن حاله في الهجوم الثاني خيرا من الأول، ثم عاود الهجوم ثالثة فكان النصر حليفه، وأذعنت زناته لسلطانه واتقته بالمهادنة، وهدأت الأحوال من حول المنتصر، وفي أيام المسالمة بينه وبين المعز أهدى إليه المعز هدايا كثيرة وأعطاه مائة ألف دينار دفعة واحدة (١).
وفي أيامه داهمت العربان من بني هلال إفريقيا ودارت بينها وبين زناته حروب طاحنة في منطقة طرابلس، ثم وجد المنتصر أنه لا قبل له بها، فاكتفى بحكم طرابلس - البلد وحده - تاركا ما حوله كله لزغبة، ثم جاءت سُلَيْم فدفعت زغبة عن ضواحي طرابلس واستقرت فيها، ورأى المنتصر أن من مصلحته محالفة القبائل البدوية من بني عدي الهلاليين فشاركهم في غزو مملكة بني حماد وهاجم المسيلة وأشير ولكن ناصر بن حماد استطاع أن يهزمه ففر إلى أشير وتحصن فيها.
وقال عن بني قُرَّة الهلاليين في برقة:
من الواضح أن بني قُرَّة الذين كانوا يحتلون الجبل الأخضر من برقة قد شاركوا أقرباءهم من الهلاليين في الانسياح والغزو بزعامة شيخهم ماضي بن مقرب، ثم انضاف إلى جماعاتهم بنو خزرون الزناتيون رغم ما وقع من معارك بين الفريقين أول حلول القبائل منطقة طرابلس، وقد تحدثنا كيف قام المنتصر بن خزرون معهم بشن الحرب علي بني حماد ثم كيف امتدت موجة سُلَيْم من برقة حتى ولاية طرابلس ودفعت بني زغبة عن مواطنها الأولى.
وتوالت موجات الأعراب هؤلاء، إذ يحدثنا ابن عذاري أن فريقا منهم اندفع من برقة سنة ٤٦٨ هـ ونزل حول القيروان.
وقال عن دخول طرابلس في طاعة الموحدين وتصدي بني هلال لهم:
يتضح لنا الانشطار الكامل في الأهداف إذا نحن عدنا قليلا في الزمن لنقارن بين نظرة أهل طرابلس إلى الموحدين ونظرة شيوخ القبائل البدوية - ومن خلفهم قبائلهم - إلى تلك الدولة الناشئة، فالطرابلسيون - مثلا - أبوا أن يقوموا