للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانت القبائل البربرية التي واجهها المسلمون لأول احتكاكهم ببلاد المغرب هي لواتة ونفوسة ونفزة وهوارة التي أسلست لهم مقادتها وأطاعتهم بهولة وسارت معهم تدلهم على الطرق وتعينهم على الروم الذين انحصرت فيهم المقاومة بالمدن لأول الفتح، وأظهر بربر برقة بالخصوص منتهى الإخلاص للحكم الجديد حتى ذكر البلاذري من حديث محمد بن سعد عن الواقدي عن مسلمة بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: أنهم كانوا يبعثون بخراجهم إلى والي مصر من غير أن يأتيهم حاث أو مستحث، فكانوا أخصب قوم في المغرب (١).

وتفيد بعض الروايات أن إخلاص بربر برقة للحكم الإسلامي لم يكن نتيجة غزو وفتح وإنما كان نتيجة إيمان واقتناع سبقا دخول العرب إلى بلاد المغرب، فقد روى الشطيبي أنهم أرسلوا رسلا منهم إلى عمرو بن العاص قبل أن يخلص من فتح مصر يعرضون عليه الدخول في الإسلام على يديه، فاستطاع عمرو أن يفهم منهم ما يريدون بواسطة ترجمان نقل إليه كلامهم، فأرسلهم إلى عمر بن الخطاب الذي رحب بهم أجمل ترحيب؛ لأن أحد الحاضرين أخبره أنهم البربر أولاد بر بن قيس عيلان (٢) فسألهم عمر بن الخطاب عن عاداتهم وعلاماتهم فلما أخبروه بها بكى؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد تنبأ بفتح بلاد لأهلها هذه الصفات، ثم حمد الله على ذلك، وبعث إلى عمرو يأمره أن يقدمهم على الجند، وأعادهم إلى بلادهم مكرمين محملين بالهدايا (٣).

ومثل ذلك يحكى عن صولات بن وزمار أمير مغراوة الذي هاجر إلى المدينة المنورة أو أشخص إليها عندما وقع أسيرًا بين أيدي العرب لأول الفتح فاجتمع بأمير المؤمنين عثمان بن عفان وأسلم على يديه وحَسُنَ إسلامه، فَمنّ عليه عثمان ولقاه برا وقبولا لمكانه من قومه، وعقد له على عمله فاختص صولات هذا وسائر أحياء مغراوة بولاء عثمان وأهل بيته من بني أمية، وكانوا خاصة لهم دون قريش،


(١) فتوح البلدان ص ٢٢٤.
(٢) ذكر ابن خلدون أن البربر الذين وفدوا على عمر بن الخطاب استنسبوا فذكروا أنهم من أولاد مازيغ. انظر ص ٢٦٤ من هذا الجزء.
(٣) الجمان في أخبار الزمان لمحمد الشطيبي المغربي. (نسخة مخطوطة).

<<  <  ج: ص:  >  >>