للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظاهروا دعوة المروانيين بالأندلس رعيًا لهذا الولاء، كما اختصت قبائل صنهاجة بالولاء لعلي بن أبي طالب وكان لها مقامات صدق في نصرة بنيه والدفاع عن دعوتهم خلال القرون الأولى لظهور الإسلام بأرض المغرب.

وقد حار المؤرخون في تعليل خضوع بعض قبائل البربر للعرب دون حرب ومبادرتهم إلى إرسال الخراج بأنفسهم دون أن يستحثهم حاث أو يدخل بلادهم باب، فمنهم من عزا ذلك إلى خوفهم من قوة العرب التي عرفوا بها من غاراتهم الأولى ثم من الطليعة التي أرسلها عمرو إلى بلادهم بقيادة عُقبة بن نافع الفهري، ومنهم رأى ذلك الخضوع نتيجة حتمية للحكم البيزنطي الذي أنهك قواهم وصيرهم في حالة عجز كامل عن المقاومة، ولكن أحدًا من المؤرخين الأوربيين على الخصوص لَمْ يعز ذلك الخضوع إلى العدل الذي ساس به المسلمون البربر والرحمة التي وجدها هؤلاء في كنفهم الشيء الذي جعلهم يرون فيهم هداة منقذين لا غزاة طامعين.

وسار المسلمون يفتحون أرض برقة وطرابلس قرية قرية ومدينة مدينة، وانحصرت المقاومة في البيزنطيين الذين اعتصموا ببعض المراسي الساحلية والحصون الداخلية، ومال البربر إلى جانب المسلمين وقاتلوا في حفوفهم ولم يقفوا موقف المتفرج كما فعل قبط مصر أثناء اقتتال المسلمين والروم، وكان من المتوقع أن يسير الفتح بسرعة عظيمة ويصل المسلمون إلى المحيط الأطلسي في أقصر مدة لولا أن الخليفة عمر بن الخطاب منع واليه عمرو بن العاص من مواصلة الزحف على إفريقيا بدعوى أنَّها مفرقة غادرة مغدور بها، فاضطر قائد الجيش الإسلامي في الرجوع إلى مصر من البلاد التي فتحها تاركًا حبل أمرها على الغارب.

على أنَّ هذا التوقف لَمْ يطل لحسن الحظ أمده، إذ لَمْ تمر إلَّا فترة يسيرة على خلافة عثمان بن عفان حتى عزل عمرًا بعبد الله بن سعد بن أبي سرح، فبدأ والي مصر الجديد بمجرد وصوله إليها يتشوق في العودة إلى المغرب لإتمام ما بدأه سلفه من الفتح، وصار يبعث المسلمين في جرائد من الخيل فيصيبون من أطراف إفريقيا ويغنمون، ثم كتب إلى الخليفة يستأذنه في السير إليها ويستمده، ويظهر أن عثمان اهتم بالأمر اهتمامًا عظيمًا، فبدأ يستشير الصحابة ثم جمع أكابرهم فزينوا

<<  <  ج: ص:  >  >>