ومن القصص الطريفة التي يوردها المؤرخون لدى كلامهم على معركة سبيطلة أن جرجير قائد جيش الروم أمر مناديًا أن ينادي في الجيش: من قتل عبد الله بن سعد فله مائة ألف دينار وأزوجه ابنتي! وكانت فتاة جميلة تجيد الرماية وركوب الخيل، فلما سمع عبد الله بن سعد النداء رد عليه بالنداء في معسكر المسلمين: إن من قتل جرجيرا من المسلمين فله ابنته ومن معها، فيقال أنَّها صارت بعد هزيمة الروم لعبد الله بن الزبير، ويقال أنَّها خرجت في سهم رجل من الأنصار، فانصرف بها قد حملها على بعير له وجعل يرتجز:
يا ابنة جرجير تلقي نحلتك … لقيت بالنحلة ثكلى أبتك
لتأخذن في الطريق عقبتك … لتسقين شر ماء قربتك
شر عجوز بالحجاز ربتك!
قالت: فما يقول هذا الكلب؟ فأخبرت بذلك، فألقت بنفسها عن البعير الذي كانت عليه فدق عنقها فماتت!.
وسواء صحت هذه القصة أم لَمْ تصح فقد أحببت ذكرها هنا لأنَّها تمثل من جهة عزة النفس عند البربر، وتسجل لنا من جهة أخرى أول شعر معروف قاله العرب وهم يفتحون بلاد المغرب.
وتوقف الفتح والاستيطان بعد الصلح ورجوع عبد الله بن سعد، ولكن البلاد المفتوحة أولًا (برقة وطرابلس) ظلت على ولائها للمسلمين حتى في سنوات الفتنة والتنازع على الخلافة بين علي ومعاوية، ولم تسجل حركات معادية ولا نقض للعهود في الأراضي التي صالح عليها الروم المسلمين في جنوب القطر التونسي ووسطه، فلما نفض المسلمون أيديهم من الخلاف بعد مقتل على وتملك معاوية، وأعيد عمرو بن العاص إلى ولاية مصر استأنف هذا الفتوح وأرسل إلى إفريقيا معاوية بن حديج على رأس جيش إسلامي يتركب من عشرة آلاف جندي فيهم عدد من كبار الصحابة والتابعين كعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير