ابن العوام، وعبد الملك بن مروان، ويحيى بن الحكم بن أبي العاص، وعدة من أشراف قريش ونفر كبير من جند مصر، فتغلب على جيش بيزنطي أرسل حديثًا إليها، وتقدم شمالًا حتى أفضى إلى سهل تونس، ونزل في مكان يسمى القرن اتخذه مركزًا لأعماله، بنى فيه دورًا وحفر آبارًا سميت بآبار حديج، وهو من الأسماء العربية الأولى التي دعيت بها أمكنة بأرض المغرب، وكانت الأخبار استفاضت يومئذ بين البربر عن عدل المسلمين ورحمتهم، فكانوا يرحبون بمقدمهم أجمل ترحيب، سيما وأن الجيش الإسلامي كان يضم عددًا من إخوانهم بربر مصر وبرقة الذين كانوا يتكلمون لغتهم ويطلعونهم بواسطتها على فضائل الإسلام ويزينون لهم الإيمان به ليرتفع مستواهم وينالوا خير الدنيا والآخرة.
ولما اسندت القيادة العامة إلى عُقبة بن نافع سنة ٦٧٠ م (٥٠ هـ) وسار إلى إفريقية في عشرة آلاف فارس، منهم ٢٥ صحابيًّا أمعن النظر في سياسة الفتح وعواقبها، ورأى أن الغرض الأسمي ليس هو تحقيق النصر والاستيلاء على الغنائم ولكنه التمكين لدين الله بين سكان البلاد المفتوحة وتوطيد أركان الحكم الإسلامي فيها، غير أن ذلك لا يتأتي بغارات متقطعة، وإنما يتأتي بإقامة مستمرة في البلاد المفتوحة وإنشاء مدن إسلامية عربية بين البربر ينطلق منها الإشعاع الديني والثقافي إليهم، وتنتهي معها حالة الشك والتردد التي كانت تجعل الطائعين منهم يسلمون عند ظهور القوة العربية ويكفرون عند مغيبها، يضاف إلى ذلك أن القوات الإسلامية وقد سيطرت تقريبًا على القطر التونسي أصبحت بعيدة جدًّا عن مراكز انطلاقها ومخازن إمدادها فلم يكن بد من تأسيس مدينة إسلامية تكون مقر الإدارة والقيادة على غرار المدن التي أنشأها المسلمون بالمشرق كالبصرة والكوفة بالعراق والفسطاط بمصر، ليمكن بعد تأسيسها مواصلة الفتح والتوغل في داخلية المغرب.
وقد استشار عُقبة أصحابه في الأمر وعبر لهم عن الدوافع التي تحفزه إلى بناء هذه المدينة قائلًا لهم:(إن أفريقيا إذا دخلها إمام تحوم أهلها بالإسلام، فإذا خرج منها رجع من كان أسلم بها وارتد إلى الكفر، وأرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها مدينة نجعل فيها عسكرًا وتكون عز الإسلام إلى آخر الدهر) ومن الطبيعي أن يعجب أصحاب عُقبة بالفكرة ويتحمسوا لها؛ لأنهم بالإضافة إلى