للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأسباب السياسية الإستراتيجية كانوا شديدي الشوق إلى إقامة أسرهم وحفظ متاعهم بمدينة حصينة قريبة من مجالات غزوهم، بل بلغ بهم الحماس إلى الاتفاق على أن يكون أهلها مرابطين فيها واقترحوا تقريبها من البحر ليتم لهم أجر الجهاد وأجر الرباط، ولكن عُقبة ارتأى أن يكون موقع المدينة وسطا بين الساحل والداخل حتى لا تكون عرضة لهجمات الأساطيل البيزنطية وغارات البربر، واختار بنفسه الموقع واختط فيه مدينة القيروان وأشرف على بنائها مدة أربع سنوات من ٦٧١، حتى ١٧٥ م أي من ٥١ حتى ٥٥ هـ كان خلالها يغزو ويبعث السرايا، فدخل في الإسلام كثير من البربر واتسعت خطة المسلمين وقوي جنان من هناك من الجنود بمدينة القيروان واطمأنوا على المقام فثبت فيها الإسلام (١).

ويظهر أن رجال الحكم في دمشق لَمْ يرضوا عن انصراف عُقبة إلى بناء القيروان رغم أن عمله كان رشيدًا واستبطأوا وصول الغنائم والأسلاب التي كانت لا تخلو من روميات وبربريات جميلات، فعزلوه بابي المهاجر دينار مولي مسلمة بن مخلد والي مصر الجديد الذي أساء معاملته، ولكنه سلك سياسته في توطين العرب بصفة دائمة بإفريقية، ويقال أنه نزل بقرية بربرية قرب القيروان تسمى تكرور أو تيكروان (٢) فبنى فيها ومصرها وجعل منها مدينة ثانية للعرب بالمغرب، ومما يؤثر لأبي المهاجر أنه عدل عن خطة عُقبة السياسية والعسكرية التي كانت تتسم بشيء من الصرامة وجنح إلى سياسة الرفق واللين والمداراة، فاستطاع بها أن يستميل البربر ويصل في حملاته إلى تلمسان حيث اكتسب كسيلة زعيم قبائل أوربة للإسلام واتخذه حليفًا وعاد به إلى القيروان.

وبعد سبع سنوات عُزل أبو المهاجر بعدما مهد المغرب الأوسط بحسن سياسته ومهارة قيادته وكثر الاختلاط بين العرب والبربر، وبدأ الزواج المختلط يؤتي ثمرات طيبة من نوع طارق بن زياد، وأعيد عُقبة بن نافع إلى إفريقية من جديد سنة ٦٨٢ م فجدد بناء القيروان وشيدها فعمرت وعظم شأنها.

ثم عزم على المسير إلى المغرب الأقصى لنشر الإسلام بين أهله نابذًا سياسة


(١) أسد الغابة لابن الأثير ٣: ١٨٤.
(٢) ذكر بعض المؤرخين أن تيكروان بربرة كلمة قيروان العربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>