للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموادعة والمداراة التي سلكها أبو المهاجر ونجح فيها غاية النجاح، وقد نصح أبو المهاجر عُقبة بعدم المسير بنفسه والاكتفاء بتوجيه وآلٍ إلى طنجة قائلًا: (ليس بطنجة لك عدو؛ لأنَّ النّاس قد أسلموا، وهذا رئيس البلاد - يعني كسيلة - فابعث معه واليا (١) ولكن عُقبة أبي إلَّا أن يخرج بنفسه مضيعًا بذلك فرصة كبرى لنشر الإسلام والعروبة بسرعة ودون كبير عناء، فسار على رأس جيش قوامه ١٥.٠٠٠ جندي مخلفًا بالقيروان حامية صغيرة تحت قيادة زهير بن قيس البلوي، فافتتح مدن الزاب وحصونه مثل باغاية والمسيلة، وكان القتال يجري مع الروم وحدهم، ويظهر أن سياسة الشدة التي سلكها عُقبة جعلت جماعات من البربر تميل إلى الروم، فإنه لَمْ يكد يصل إلى تيهرت حتى وجد نفسه أمام حلف كبير من الروم والبربر لَمْ ير المسلمون له مثيلا من قبل، ولكنه تَغْلِب عليهم جميعًا بعد جهد جهيد وتوغل في المغرب الأقصى حتى بلغ طنجة، فسارع بليان صاحب تلك النواحي إلى خطب وده، ثم ذهب عُقبة إلى وليلي وتامسنا وقطع جبال دون إلى السوس الأقصى وانتهى إلى وادي درعة وصحراء تافيلالت، ولما انقلب راجعًا وبلغ مدينة طبنة سرح الجيش إلى القيروان وبقي في جماعة من أصحابه، وهنالك انقلب عليه كسيلة الذي كان يمعن في إهانته خلال المسير مخالفا عن أمر أبي المهاجر، فحشد أهله وبني عمه واعترض عُقبة قرب قرية تهودة بالأوراس فدافع وأصحابه حتى استشهدوا سنة ٦٨٣ م (٢)، وكان لهذه الهزيمة أثرها البعيد بالنسبة لاستيطان العرب ببلاد المغرب، فقد فر من القيروان جيش مصر بقيادة حنش بن عبد الله الصنعاني لا يلوي على شيء، وانسحب بعد ذلك جماعات أخرى من الجند والعرب والموالي البربر إلى طرابلس بقيادة زهير بن قيس البلوي الذي كان يميل إلى الإقامة والقتال، ومشي كسيلة إلى القيروان فدخلها وتأمر على من بقي بها من الشيوخ والنساء والأطفال، وعاملهم معاملة طيبة؛ لأنه لَمْ يرتد عن الإسلام على ما يظهر، وتقلص بدخوله إليها النفوذ العربي في إفريقية وما وراءها من أرض المغرب.


(١) رياض النفوس للمالكي ص ٢٦.
(٢) قلت: ولعُقبة بن نافع الفهري مقام يُزار في جنوب بسكرة في منطقة الزيبان بالجزائر ويقال له مقام سيدي عُقبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>