للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تفد الحملة التأديبية التي قام بها زهير بن قيس ضد كسيلة بعد ذلك بأربعة أعوام (٦٨٨ م) وقتله فيها قرب ممش شيئًا في إعادة المد العربي إلى إفريقيا وإن ضمن بها الأمن للقيروان وأبعد عنها الأخطار، فقد اضطر في الرجوع إلى برقة لما بلغه خروج أسطول رومي كبير من صقلية وإرسائه على ساحلها، وأثناء هذا الرجوع ارتكب نفس الغلطة التي ارتكبها عُقبة قبله عند رجوعه من المغرب الأقصي، فقد سلك الطريق الساحلي مع سبعين من جنوده تاركًا معظم الجيش سائرًا في الطريق العام، ولما أبصر جنود الروم يحملون سبي المسلمين من نساء وأطفال إلى سفنهم خاض لإنقاذهم معركة غير متكافئة كان فيها حتفه، وقد نال الشهادة هو وجميع من معه.

ولا يعرف بدقة ما صارت إليه أحوال إفريقيا والمغرب في فترة الأربع سنوات التي تلت مقتل زهير، والظاهر أن القيروان بقيت إسلامية عربية لا تتعرض لأعمال عدائية من جانب الروم ولا من جانب البربر، وأن برقة استمرت كذلك يليها مولي العبد العزيز بن مروان اسمه تليد، فلما انتهت الأزمة الثانية للخلافة الإسلامية بمقتل عبد الله بن الزبير سنة ٦٩٢ م اتجه نظر الخليفة عبد الملك بن مروان إلى المغرب، فجهز جيشًا كبيرًا عهد بقيادته إلى حسان بن النعمان أحد مشاهير قواد الشام كما عهد إليه بولاية المغرب، وهو أول قائد من أهل الشام يتولى الولاية والقيادة بالمغرب بعد ما كان الولاة والقادة قبله من جند مصر، فسار حسان يجر وراءه جيشًا كثيفًا لَمْ يدخل المغرب مثله من قبل، إذ بلغ جنوده ٤٠ ألفًا، ولما بلغ طرابلس زاد عدده بمن انضم إليه من عرب إفريقيا وطرابلس، وبعد ما أصلح من شأنه وقبل الفصول عن طرابلس عين قائدين يسيران في مقدمته أحدهما عربي: محمد بن أبي بكير، والثاني مغربي: هلال بن ثوران اللواتي، ولا شك في أن انضمام عرب طرابلس إلى الجيش يدلُّ على استقرار جاليات عربية بمدنها الساحلية وقراها الداخلية، كما يدلُّ تعيين قائد من البربر على تمكن الإسلام من قلوب أهل القسم الشرقي من البلاد المغاربية وعلى المساواة التي كان يعامل بها المسلمون القادمون من الجزيرة العربية إخوانهم الذين أسلموا حديثًا على أيديهم، ومشي حسان حتى بلغ القيروان وقد أضمر في نفسه أن يطبق خطة عسكرية أساسها مقابلة أعدائه من روم وبربر كلّ على حدّة حتى يسهل عليه التغلب على

<<  <  ج: ص:  >  >>