للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقاومتهم، ثم توجه إلى قرطاجنة عاصمة إفريقيا القديمة على رأس جيشه فضرب عليها الحصار حتى اشتدت الوطأة على الروم فطلبوا الأمان ولما أوقف القتال هربوا في المراكب فلم يصب إلَّا قليلًا من ضعفائهم، وبالاستيلاء على قرطاجنة صفا له شمال تونس، ثم عاد إلى القيروان لعلاج المجروحين وإعداد العدة للمعركة الجديدة، وخلال استراحة الجيش بها انعقد حلف بين عدد من القبائل البربرية تحت زعامة امرأة بربرية من قبيلة جراوة (١) تسميها الروايات العربية الكاهنة تارة، ودهيا بنت ماتيت بن تيفان تارة أخرى، والظاهر أن الكلمتين معا وصفان لا اسمان، وكيفما كان الأمر فقد كانت امرأة عجيبة تختلط في أخبارها لغرابتها الحقيقة بالأسطورة، وعندما خرج إليها حسان منفذا الشطر الثاني من خطته بدأت هي في تنفيذ خطة عسكرية أخرى تتلخص في تخريب البلاد على نطاق واسع تأييسًا للعرب من المقام فيها، وهي السياسة التي تعرف اليوم بسياسة الأرض المحرقة والتي لا يحجم القادة العسكريون في العصر الحديث عن تطبيقها إذا دعاهم داع إستراتيجي إليها، فعندما اقترب حسان من حصن باغاية أمرت الكاهنة أتباعها بتخريبه حتى لا يعتصم به ويقيم به حامية عربية، ثم التقى الجيشان على عدوتي وادي نيني أحد روافد وادي مسكيانة (٢) فانهزم حسان هزيمة منكرة وترك في ميدان القتال عددًا كبيرًا من شباب العرب وثمانين أسيرًا فسمي الوادي وادي البلاء أو وادي العذارى تذكيرًا بالنكبة التي حلت بالمسلمين فيه.

وانسحب حسان إلى ما وراء طرابلس حتى بلغ إلى موضع قرب مدينة تاورغة يبعد ٢٥٠ كم عن طرابلس إلى الشرق فأقام على آبار به سميت منذ ذلك العهد بآبار حسان ورمم بعض حصونه القديمة وبني حصونًا جديدة، أما الكاهنة فيظهر أنَّها لَمْ تكن تحقد على المسلمين لأنَّها أطلقت أسراهم واستبقت منهم يزيد بن خالد (٣) الذي أعجبها جماله وشجاعته ورجاحة عقله فتبنته حسب التقاليد البربرية وجعلته مستشارًا لها، ثم درست موقفها من العرب وعلمت أنهم لابد


(١) قبيلة جراوة من قبائل زناته.
(٢) مسكيانه مدينة جزائرية شمال شرق الأوراس.
(٣) قيل أنه من قبيلة عبس المشهورة من غَطَفَان.

<<  <  ج: ص:  >  >>