للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عائدون بعد حين كما فعلوا بعد الهزائم السابقة التي حلت بهم، فقالت لمجلس شوراها: (أن العرب إنما يطلبون من إفريقيا المدائن والذهب والفضة، ونحن إنما نريد منها المزارع والمراعي فلا نرعى لكم إلَّا خراب إفريقيا كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر (١) فقام أتباعها يعذقون الشجر وينفون العمران، وكانت إفريقيا كما يحدث التاريخ ظلا واحدًا من طرابلس إلى طنجة، وقرى متصلة ومدائن منتظمة حتى لَمْ يكن في أقاليم الدنيا أكثر خيرات ولا أوصل بركات ولا أكثر مدائن وحصونا من إقليم إفريقيا والمغرب، مسيرة ألفي ميل، فخربت الكاهنة ذلك كله (٢)، وقد أسفر هذا التخريب عن نتيجة عكسية فإن الذين أيسوا من المقام في البلاد كانوا هم الروم الذين ركب أكثرهم السفن ورحل عنها للاستقرار الدائم في حقلية وإسبانيا وإيطاليا، أما العرب الذين كان قائدهم حسان يطلع على ما يجري فيها بواسطة خالد بن يزيد مُتبنى الكاهنة ومستشارها فإنهم عادوا إليها سنة ٦٩٨ م مع جماعة من البربر البتر فاستقبلهم من بقي بها من الروم بحفاوة، وخرجوا إليهم مستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة، ولم يقصر البربر كذلك في الاحتفال بعودة العرب والترحيب وتحيزوا إليهم بشكل إيجابي وأمدوهم بالرجال والأموال، ولما قرب حسان من جبل أوراس حيث كانت تقيم الكاهنة انضم إليه ولداها بإشارة منها على ما يذكر، ثم دارت المعركة الفاصلة التي قتلت فيها الكاهنة وانخضدت شوكة المقاومة الأخيرة ضد المسلمين فتمهد الطريق الاستيطان العرب بصفة دائمة ببلاد المغرب، وحسن إسلام البربر بعد أن ارتدوا ثلاث عشرة مُرّة!!

ويعتبر حسان بن النعمان الفاتح الحقيقي للمغرب وأول منظم للحكومة الإسلامية فيه، فهو لَمْ يكتف بخضد شركة المقاومين وإقناعهم بعدم جدوى المقاومة والحرب في حد المسلمين عما جاءوا إلى المغرب لأجله وهو نشر دين الله وإعلاء كلمته بين سكانه، وإنما اهتم بعد أن تم له النصر العسكري بشؤون الإدارة والعمران الشيء الذي استقامت معه الحياة في بلاد عاشت سنين طويلة في فوضى واضطراب لا مثيل لهما، فهو الذي أسس مدينة تونس وأنشا بها مرسى جلب له


(١) البيان المغرب لابن عذاري ص ٣٦ ط بيروت.
(٢) البيان المغرب ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>