للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من مصر ألف قبطي بنسائهم وأولادهم وكلفهم بصناعة سفن الجهاد وعمارتها، والتفت إلى القيروان عاصمة الولاية الإسلامية الجديدة فجدد مسجدها، كما أنه أول من (دون الدواوين وصالح على الخراج وكتبه على عجم إفريقيا وعلى من أقام معهم على دين النصرانية (١)، واستالف البربر بأن جنَّد منهم ١٢.٠٠٠، جندي عقد عليهم لابني الكاهنة، كلّ واحد منهما على ستة آلاف فارس، وأخرجهم مع العرب لتمهيد البلاد وقتال الكافرين، ولم يكتف بذلك، وبإعطائهم حقهم من الغنائم، بل رتب لهم أيضًا أعطيات تصرف لهم من بيت المال وأقرهم على ما بأيديهم من الأرض التي اعتبرها فتحت صلحًا لا عنوة، وقسم المغرب خططًا لهم، أي أنه اختص كلّ قبيلة بخطة تتصرف فيها وتؤدي مالها وتكون مسؤولة عنها، وباختصار لَمْ تشهد بلاد المغرب واليا حكيمًا ولا قائدًا رحيمًا بعد أبي المهاجر عرف كيف يستميل البربر، ويستألفهم بحسن سلوكه إلَّا حسان بن النعمان الذي سوى التسوية كلها بين العربي والبربري ولم يعتبر أحدهما غالبًا حاكمًا والآخر مغلوبا محكومًا.

ومن الطبيعي أن تبقى في هذه الأزمنة المبكرة جماعات من البربر غير مسلمة خاصة في المناطق الجبلية بالمغربين الأوسط والأقصي، وأن يكون إسلام من أسلم من البربر سطحيا في معظم الحالات لانعدام لغة مشتركة للفهم والتفاهم، فلا العرب كانوا قادرين على إفهام البربر حقيقة الدين لجهلهم اللغة البربرية، ولا البربر كانوا يستطيعون فهم تلك الحقيقة من العرب لعدم معرفتهم اللغة العربية، أما الأمر الأول وهو إسلام من لَمْ يسلم من البربر فقد عالجه الولاة الذين جاءوا بعد حسان بن النعمان، من موسى بن نصير إلى الشريف إدريس بن عبد الله الكامل وابنه إدريس الثاني اللذين تم على أيديهما إسلام بربر المغرب الأقصي، وأما المشكل الثاني فقد عالجهة الخلفاء والولاة بانتخاب جماعة من فقهاء التابعين وانتدابهم لتعليم البربر القرآن وتفقيههم في الدين، وأول من فعل ذلك عُقبة بن نافع الذي ترك بين البربر جماعة من الفقهاء يعلمون البربر أحكام دينهم منهم صاحبه شاكر الذي ينسب إليه الرباط المشهور، ثم موسى بن نصير متمم فتح


(١) البيان المغرب ص ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>