الأندلس الذي انتدب عددًا من الفقهاء لتعليم البربر، ومن الخلفاء عمر بن عبد العزيز الأموي الذي أرسل مع واليه إسماعيل بن عبيد الله المخزومي عشرة من فقهاء التابعين انبثوا بين البربر يعلمونهم أصول الدين ويبصرونهم بأحكامه، ويلقنونهم مبادئ اللغة العربية التي لا يمكن فهم القرآن والسنة حق الفهم إلَّا عن طريقها، وقد أخذ عن هؤلاء التابعين جماعة من أهل البلاد كانوا يقصدونهم للتعلم عليهم بالقيروان وغيرها ثم يعودون إلى قبائلهم فيولون القضاء وغيره من الوظائف والخطط الدينية، وقد ذكرهم المالكي في رياض النفوس (١).
ومما لا ريب فيه أن جميع العوامل كانت متوافرة لإسلام البربر كافة وتعربهم بسرعة وقيامهم بأكبر الأدوار في نشر الدين خارج بلادهم منذ انتصار حسان بن النعمان على الكاهنة وخلال مدة ولايته التي سلك فيها أفضل السياسات الاستئلاف البربر وإمالتهم إلى جانب الإسلام والعروبة، يدلك على ذلك أن الجيش الإسلامي الأول الذي دخل الأندلس كان يقوده قائد من أهل البلاد طارق بن زياد، وأن معظم جنوده كانوا بربرًا (١٢.٠٠٠) ولم يكن فيه من العرب إلَّا ثلاثمائة أو أقلّ، وقد كان النصر السريع الذي أحرزه جيش طارق حافزًا لمن تخلف من البربر المسلمين على عبور البحر والاشتراك في الحرب والمساهمة في الغنم الوفير، كما أن غلبة الروح الديني على الفتح واختلاط الجنود العرب الذين جاءوا بعد مع موسى بن نصير بالجنود من البربر وتآخيهم في ساحات القتال وإقامة مراكز على طول الطريق بين القيروان وطنجة وسبتة لاستراحة الجند وخزن الميرة أدت كلها إلى تثبيت إسلام البربر وإظهارهم على العربية، ومنذ تم الفتح أخذ العرب يفدون بكثرة على الأندلس للحرب والسكني مارين ببلاد المغرب مختلطين بأهلها، فازداد كلّ فريق معرفة بالفريق الآخر، ولم يعد العربي في المغرب غريب الوجه واليد واللسان.
ولو بقيت الأمور تسير على ما كانت عليه أيام حسان ليست حركة الاستيطان العربي واستعراب البربر بخطى سريعة، ولكان من الممكن تعرب المغاربة قبل تعرب المصريين رغم قربهم من الجزيرة العربية، ولكن حدثت بالمشرق والمغرب