للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في آن واحد أحداث كان من عواقبها تضاؤل عدد المهاجرين العرب إلى المغرب وظهور مذاهب دينية انتهت بانفصاله عن خلافة المشرق سياسيا مع بقائه مستمسكًا بالدين الجديد.

أما أحداث المشرق فكانت تتمثل في الخلافات المذهبية التي قامت بين الشيعة والخوارج، والخلافات السلالية التي قامت بين القيسية واليمنية، والخلافات السياسية التي قامت بين العلويين والأمويين ثم بين هؤلاء وبني العباس، وما نشأ عنها من انصراف الخلفاء عن التفكير في المغرب وقلة الاهتمام بأموره.

وأما أحداث المغرب فكانت تتمثل في هذا اللون الجديد من السياسة الذي أراد الولاة بعد حسان أن يطبقوه فيه جهلًا وغرورًا وترضية لرجالات الدولة بدمشق وبغداد الذين لَمْ تكن مطامعهم تقف عند حد، وضد جميع الأسس التي يقوم عليها الدين الإسلامي من عدل ومساواة ورفق بالنّاس واحترام لأنفسهم وأموالهم وصيانة لحريتهم وكرامتهم.

فقد أمعن موسى بن نصير في جمع السبي من ذكور وإناث، حتى صار عبيده وإماؤه من البربر والروم يعدون بعشرات الآلاف، وقد اندهش الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموي لما أخبره موسى أن سبي سكوما - مدينة قبيلة أوربة - وحدها بلغ مائة ألف، فكتب إليه: (ويحك، أظنها إحدى كذباتك! فإن كنت صادقًا فهذا حشر الأمم)!

ولم يقف عسف الولاة عند حد السبي وتوجيه الفتيات الجميلات بالمئات إلى الخلفاء والأمراء والوزراء بالمشرق بل تجاوزه إلى إهانة النّاس ومعاملتهم بما يكرهون، فقد بدا ليزيد بن مسلم لما قدم واليًا على أفريقيا سنة ٧٢٢ م الموافق ١٠٣ هـ أن يسم حراسه من البربر بميسم الذل، فقام على المنبر خطيبًا وقال: (إني رأيت أن اسم حرسي في أيديهم كما تصنع ملوك الروم بحرسها، فأرسم في يمين الرجل اسمه، وفي يساره حرسي ليُعرفوا بذلك من بين سائر النّاس، فإذا وقفوا على أحد أسرع لما أمرت به، ولكن هذا الوالي الذي وصفه المؤرخون بأنه كان ظلومًا غشومًا كان أيضًا جهولًا بنفسية البربر وما صار لهم من اعتزاز بالدين الجديد، فلم يكد حرسه يعلمون بنيته حتى استاءوا مما عزم عليه وقالوا: (جعلنا

<<  <  ج: ص:  >  >>