للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنزلة النصاري) فلما خرج من داره لصلاة المغرب قتله في مصلاه حارس منهم يُسمى حريز، أما عمر بن عبد الله المرادي عامل طنجة من قبل عبيد الله بن الحبحاب فقد أداه الغرور إلى التفكير في تخميس البربر زعمًا منه أنهم فيء للمسلمين، فكان فعله سببا في حدوث ثورة عارمة ما زالت تعظم وتنمو حتى أدت بالمغرب إلى الاستقلال عن حكم الشرقيين.

والحق أن الولاة لَمْ يكونوا دائما صادرين فيما يرتكبون من الظلم والعسف في غريزة شخصية، وإنما كانوا يدفعون في كثير من الأحيان إلى العنف دفعًا من رؤسائهم بالمشرق، فقد كان هؤلاء يستحبون طرائف المغرب ويطلبونها من عمالهم بإفريقيا فيبعثون لهم البربريات السنيات، فلما أفضى الأمر إلى ابن الحبحاب مناهم بالكثير، وتكلف لهم أو كلفوه أكثر مما كان، فاضطر إلى التعسف وسوء السيرة كما يقول ابن عذاري (١).

ومن أمثلة الولاة وجورهم التي ذكرها ابن خلدون أن الرؤساء بالمشرق كانوا يطلبون من ولاة المغرب إتحافهم بأفرية عسلية الألوان فكان هؤلاء يتغالون في جمع ذلك من ماشية البربر، حتى كانت الصرمة من الغنم تستهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ولا يوجد فيها مع ذلك إلَّا الواحد وما قرب منه، فكثر عبثهم بذلك في أموال البربر وجورهم عليهم (٢).

والحق أيضًا أن البربر كظموا غيظهم وصبروا طويلًا على الظلم احترامًا لهؤلاء الذين هدوهم إلى الدين وإبقاء على رابطة الخلافة التي تجمع بينهم وبين سائر المسلمين، وقد بلغت بهم الثقة بالخلفاء إلى الدرجة التي كانوا يقولون معها لا نخالف الأئمة بما تجني العمال، وإلى أنهم أرسلوا وفدا من عشرين رجلًا برئاسة ميسرة المدغري ليبلغ إلى الخليفة هشام شكواهم التي كانت تتلخص في عدول الولاة والقواد عن تطبيق مبدأ المساواة بين العرب والبربر، فقد صار القائد إذا غزا جهة أو حاصر مدينة قدم الجند البربري وأخر الجند العربي، وإذا استولى الجيش على غنيمة حرم البربر حقهم فيها بدعوى أن ذلك أخلص لجهادهم! فكان الوفد


(١) البيان المغرب ص ٥٦.
(٢) تاريخ ابن خلدون ٦: ٢٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>