للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد أن يعرف أعن رأي أمير المؤمنين ذلك أم لا؟ ولكن بطانة السوء التي لَمْ يكن يرضيها اجتماع الخليفة بالوفد حالت بينهم وبين لقائه، فرجع إلى بلده غضبان أسفًا، وصدق البربر بعدها ما كان يقوله لهم العرب المناوئون لحكم بني أمية من أن الولاة والقادة إنما يعملون بأمر الخلفاء، فكان ذلك سببًا في ظهور المذهب الخارجي بالمغرب وثورة ميسرة المدغري المعروف بالفقير (١).

على أنَّ ثورة البربر هذه المرة (٧٤٠ م) لَمْ تكن تعني ثورتهم على الإسلام ولا على العرب رغم حداثة عهدهم بهما، بل كانت ثورة على السلطة الجائرة فقط، فقد بقوا مستمسكين بالدين كأشد ما يكون الاستمساك، واستمروا على ثقتهم بالعرب المقيمين ببلادهم، إذ على أيديهم تعلموا المذهب الخارجي، وبتشنيعهم علي بني أمية شقوا عصا الطاعة على الخلافة، ولم يثبت أن البربر اضطهدوا العرب خلال هذه الثورة وإنما وثبوا فقط على الحاميات العسكرية التي استمرت على ولائها للخلفاء، ومع أن البربر حققوا انتصارات باهرة على القوات العربية فإن السلطة الخلافية بالمشرق سربت لمحاربتهم الجيوش تلو الجيوش، فكان عدد العرب يتضخم بذلك في الغرب بالتدريج والبلاد تصطبغ بصبغتهم شيئًا فشيئًا، ويكفي أن نعرف أن الجيش الأول الذي وصل لقمع الثورة بقيادة كلثوم بن عياض القشيري (٢) في يوليو سنة ٧٤١ م (رمضان ١٢٣ هـ) كان يشتمل على سبعين ألف مقاتل، وأن الجيش الثاني الذي أرسل في السنة التالية (فبراير ٧٤٢ م) كان يشتمل على ٣٠ ألفًا لَمْ يلبثوا أن عززوا بعشرين ألفًا آخرين، وقد أمكن بوصول هذه القوات أن تستعرب مدن بأسرها في وقت مبكر كتلمسان وسبتة وطنجة وأصيلة، علاوة على المدن التي سبقت إلى التعرب مثل طرابلس والقيروان وتونس وبلدان قسطيلة (شط الجريد) والزاب.


(١) ويلقبه خصومة بالحقير.
(٢) القشيري: منسوب إلى بني قشير من عامر بن صعصعة بن بكر بن هَوَازِن بن منصور من قيس عَيْلان بن مُضَر بن نزار بن مَعْد بن عدنان.

<<  <  ج: ص:  >  >>