للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجدير بالذكر أن دعاية قوية مصدرها عرب القيروان على ما يظهر انتشرت بين المسلمين مرغبة إياهم في سكني إفريقيا والمغرب مبينة ما أعد من الأجر والثواب لمن يرابط فيهما، ولم تبق مدينة من مدن المغرب الشهيرة إلَّا نسبت إلى الرسول أحاديث في بيان فضلها وفضل ساكنيها، بل نسب إلى الرسول حديث يذكر أن طائفة من أمته عليه الصلاة والسلام لا يزالون ظاهرين على الحق بالمغرب لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة، وعلى العكس من ذلك اختلفت أحاديث وآثار في ذم البربر والتنقيص من شأنهم شبيهة بالأحاديث والآثار التي اختلقت بالمشرق اختلاقا للحط من قدر الفُرس، أما الشعر فقد استعمل أيضًا من بعض العنصريين العرب بالمغرب والأندلس في هذا الغرض الخسيس وإن كان بعض أبياته لا يخلو من طرافة ودعابة كقول من قال:

رأيت آدم في نومي فقلت له … أبا البرية إن النّاس قد حكموا

أن البرابر نسل منك قال إذن … حواء طالق إن كان الذي زعموا

وقد كان لهذا الاستعلاء الذي يتنافي مع الدين القويم والعقل السليم رد فعل عنيف بعد ذلك لدى مستعربة البربر فنظموا الأشعار وكتبوا الرسائل وألفوا الكتب التي تعيب التفاخر بالأنساب وتبين أن النّاس في حكم الشرع والعقل سواء لا يتفاضلون إلَّا بصالح الأعمال مما يعرف تفاصيله المتخصصون في الآداب العربية بالمغرب.

وباختصار، فإن الحركات التي كانت تتهيأ بالمشرق للإطاحة بحكم بني أمية تهيئ مثيلها بالمغرب وسبقها إلى الظهور في نهاية منتصف القرن الثامن الميلادي الإعلان استقلاله عنها، فلم تكد الخلافة الأموية تلفظ أنفاسها حتى ظهرت الدول الوطنية المغربية: دولة بني صالح بنكور، ودولة بني مدرار بسجلماسة، ودولة بني رستم بتيهرت، ثم دولة بني مروان بالأندلس، ودولة الأدارسة بفاس، ودولة الأغالبة بالقيروان، ولم تفد الجهود السياسية والعسكرية التي بذلها بنو العباس شيئًا في إبقاء الولايات المغربية تابعة للخلافة كما كانت منذ الفتح الإسلامي الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>