للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعدما تعرف عبد المؤمن على احتياجات الأندلس ورتب حاميات تقيم في ثغورها عاد إلى المغرب في أوائل عام (١١٦١ م - ٦٥٦ هـ) فأقام بمراكش سنة مكن فيها جيشه وحاشيته من الراحة والاستجمام، وعكف هو فيها على النظر في الشؤون العامة ودمج العرب في الجيش النظامي وتدريبهم على الفنون الحربية وإعدادهم للجولات المقبلة، ثم كتب منهم كتائب بعث بعضها إلى مختلف المدن المغربية لحماية الرعية وتأمين السابلة وبعث كتائب أخرى إلى الأندلس للرباط بالثغور وجهاد الأعداء، فنزل بعضهم بجهات قرطبة ونزل بعض آخر بجهات أشبيلية مما يلي مدينة شريش، وأبلت في تلك السنة والسنة التي تليها أحسن البلاء في حرب النصارى والثوار المنتشرين ببعض الجهات وحققت عليهم جميعًا انتصارات باهرة أطلقت بمدحهم السنة الشعراء، فمن ذلك قول أبي العباس الجراوي (١) يهنئ أمير المؤمنين عبد المؤمن بن علي بأحد هذه الانتصارات ويذكر دور العرب في تحقيقه:

لو راء موسى ما فعلت وطارق (٢) … زريا بما لهما من الآثار

أتممت ما قد أملوه وفاتهم … من نصر دين الواحد القهار

بعراب خيل فوقهن أعارب … من كلّ مقتحم على الأخطار

أكرم بهن قبائلا أقلالها … في الحرب يغنيها عن الإكثار

وانظر إذا اصطفت كتائبها إلى … ما تحمد الكتاب في الأسطار

لو أنَّها نصرت عليًّا لَمْ ترد … خيل ابن حرب ساحة الأنبار

ولما توفي عبد المؤمن بن علي ليلة الخميس (١٧ مايو ١١٦٣ م - ١٠ جمادي الآخرة ٥٥٨ هـ) سار ابنه وخلفه أبو يعقوب يوسف العسري على نهجه في جلب العرب من المغرب الأدنى واستئلافهم واستئناسهم وإلحاقهم بالجندية وتسخيرهم في أغراض الدولة من حفظ أمن وقمع فتن وقتال أعداء بالحدود، وكان يوجه لهم المخاطبات النثرية والشعرية التي تفعل فيهم فعل السحر فيستجيبون وينقادون


(١) أبو العباس الجراوي من قبيلة جرارة الزناتيه كان شاعر الخلافة الموحدية، وجرارة منهم في صعيد مصر يطلق عليهم الجراوات.
(٢) يقصد موسى بن نصير، وطارق بن زياد.

<<  <  ج: ص:  >  >>