للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم الأثر في طبع بلاد المغرب بالطابع العربي بسبب كثرة عددها (١) وانتشارها وما بدا منها من نشاط وحيوية.

ولمجيئها قصة طريفة من المفيد أن تروى في هذا المقام (٢)، فإن المعز بن باديس الملك الثالث للدولة الصنهاجية الزيرية جنح إلى توهين الرابطة بين دولته وبين الخلافة الفاطمية فأدى ذلك إلى جفاء وتوتر بينه وبين الخليفة الفاطمي المستنصر فعمد إلى حركة أكثر نكاية وتحديا حيث أسقط اسم الفاطميين من الخطبة والطراز وأمر بلعنهم على المنابر وأخذ يضطهد الشيعيين حتى أنه قتل منهم عددا كبيرا بأسلوب يشبه المذبحة، ثم اتصل سنة ٤٣٥ هـ بالخليفة العباسي القائم بأمر الله في بغداد وطلب منه تقليدا بإمارته - على ما كان يجري في هذا الظرف من المتغلبين الذين كانوا لا يرون ملكهم شرعيا ولا يراه الناس كذلك لا بتصديق من خلافة عربية قرشية - وأرسل إليه الهدايا فرحب هذا بالتحول ترحيبا عظيما لأن التشاد كان قويا بين العباسيين والفاطميين وأرسل إليه التقليد والخلع والهدايا، وحينئذ عمد الفاطميون إلى إزعاج المعز الصنهاجي بتشجيع بطون كثيرة من قبائل بني هلال وبني سُلَيْم التي نزحت إلى مصر في عهد المعز الفاطمي وانتشرت في صحاريها الشرقية والغربية على الارتحال نحو المغرب الأوسط والتشويش على الدولة الصنهاجية وتعكير الأمن فيها، ويروى أن أبا الحسن اليازوري - نسبة إلى يازور إحدى قرى فلسطين - وزير المستنصر هو الذي اقترح هذه الحركة، وأنه هو


(١) قال العكاك في كتابه موجز تاريخ الجزائر العام (ص ٣٠٤) أن المؤرخين اختلفوا في تقويم عددهم وأن المؤرخ ليون الأفريقي نقل عن تاريخ ابن الرفيق أن عددهم يزيد عن المليون، وأن من الصواب تقديرهم بنصف مليون على الأكثر وبمئتي ألف على الأقل، أما أحمد توفيق المدني فإنه قدرهم في كتابه تاريخ الجزائر (ص ١٣٨) بين الثلاثمائة ألف والخمسمائة ألف، والرقم كبير على كل حال، ويعني أن سيلا جارفا تدفق على بلاد المغرب في أواسط القرن الخامس الهجري، وبطبيعة الحال أنهم نموا وكثروا خلال القرون التسعة التي مرت على طروئهم حتى صار أنسالهم ملايين، وهذا تفسير كونهم ذا أثر عظيم في طبع البلاد بالطابع العربي، وهذا بالإضافة إلى القبائل الأخرى التي تدفقت قبلهم وبعدهم والتي لا شك أنها كانت في أصلها تبلغ مئات الآلاف.
(٢) انظر تاريخ ابن خلدون ج ٦ ص ١٢ - ٨٢ و ١٥٥ - ١٧٨ وج ٤ ص ٦٢ - ٦٦ وخلاصة تاريخ تونس لحسن حسني عبد الوهاب ص ٩ - ٩٨ والاستقصاء ج ١ ص ١٦٦٥ - ١٧٢ والدولة الفاطمية لحسن إبراهيم ص ١٦٩ - ١٧١ ورحلة التجاني من رجال القرنين السابع والثامن ص ١٦ - ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>