للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي اتصل بزعماء بني هلال وبني سُلَيْم وأعطاهم مالا وسلاحا وأصلح بينهم ووعدهم بالمدد والعدد وملكهم كل ما يفتحونه فاتجه إلى إفريقيا (تونس) منهم سيل عرم، وكتب اليازوري إلى المعز الصنهاجي: أما بعد فقد أرسلنا إليكم خيولا فحولا، وحملنا عليها رجالا كهولا، ليقضي الله أمرا مفعولا.

ولقد قام بنو هلال وبنو سُلَيْم بالمهمة حيث أخذوا منذ وصلوا إلى منطقة تونس يعيثون في الأرض فسادا ويقطعون السبيل، ثم تقدموا بزعامة موسى بن يحيى المرداسي نحو القيروان عاصمة الدولة وأخذوا يشنون الغارات على أراضيها ويفسدون الزروع وينهبون المدن والقرى فأنزل بإفريقيا منهم ما لم ينزل بها مثله قط على ما وصفه الرواة، وحشد المعز الصنهاجي قوة كبيرة وخرج على رأسها للتنكيل بهم والتحم معهم في معركة حامية قرب مدينة جندارا وكان فرسان العرب ثلاثة آلاف في رواية وسبعة في رواية أخرى، بينما كان فرسان المعز ثلاثين ألفا على ما روته الروايات كذلك فدارت الدائرة على صنهاجة وانهزمت بعد أن تركت عددا كبيرا من القتلى واستولى العرب على مقادير عظيمة من الخيل والأسلاب والغنائم، وفي هذه الواقعة يقول علي بن رزق الرياحي الهلالي:

وإن ابن باديس لا حزم مالك … ولكن لعمري ما لديه رجال

ثلاثة آلاف لنا غلبت له … ثلاثين ألفا إن ذا لنكال

ولم ير المعز مناصا من تألفهم وتركهم يستقرون في برية إفريقيا وإباحة دخولهم القيروان لشراء ما يحتاجون إليه، فأخذوا ينتشرون في براري المغرب الأوسط وغدوا عنصرا فعالا في أحداثه حتى أن هيبة دولة المعز قد وهنت بتأثيرهم، وكان مما عمد المعز إليه بسبيل تألفهم أن زوج بناته الثلاث لثلاثة من أمرائهم وهم فارس بن أبي الغيث وأخوه عائذ والفضل بن أبي علي المرداسي، على أن هذا إنما زاد في هيبتهم ومطامعهم، فقد ذكر ابن خلدون أنهم جاءوا سنة ٤٤٨ هـ إلى القيروان فاستباحوها وسلبوها وعبثوا في محاسنها واستصفوا ما كان لآل بلكين في قصورها وشملوا بالعبث والنهب سائر حريمها حتى تفرق أهلها في الأقطار، ولم يزل هذا دأبهم حتى غلبوا صنهاجة وزناته على نواحي إفريقيا والزاب وتغلبت رياح على باجة وقسنطينة وتغلب عائذ بن أبي الغيث على مدينة

<<  <  ج: ص:  >  >>