للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاله: إن المؤرخين اختلفوا في تقويم عددهم فقال المؤرخ ليون الأفريقي نقلا عن تاريخ ابن الرفيق أن عددهم يزيد عن المليون، وهذا رقم مبالغ فيه - والكلام للعكاك - والصواب تقديرهم بنصف مليون على الأكثر وبمئتي ألف على الأقل، والرقم كبير على كل حال، وهو يعني أن سيلا جارفا من العرب تدفق على بلاد المغرب في القرن الخامس، وبطبيعة الحال أنهم نموا وكثروا خلال القرون التسعة التي مرت على طروئهم حتى صار أنسالهم ملايين، وهذا بالإضافة إلى أنسال القبائل التي تدفقت على هذه البلاد وانتشرت وتوطنت في مختلف أنحائها قبلهم، والتي لا نشك في أن عددها أضعاف عدد بني سُلَيْم وبني هلال عند طروئهم على ما يستفاد من وصف تدفقهم وتوالي تدفقهم تحت رايات حملات الفتح الأولى وما بعدها في القرون الثلاثة الهجرية الأولى، ويوجد الآن في مختلف أنحاء البلاد المغربية قبائل عربية كثيرة لا تزال تحتفظ بطابعها وتقاليدها القبلية ولكن عددها لا يبلغ الملايين حيث يصح أن يقال: إن كثرة كبيرة من أنسال القبائل التي طرأت على هذه البلاد بل أكثرها قد انتقل من حياة البداوة إلى حياة الحضارة واستقر في المدن والأرياف المغربية وقد مرت إشارات إلى ذلك، وفي كل هذا تعليل للطابع العربي الشامل الذي طبع هذه البلاد، ولقد قال العكاك (١) بعد أن نوَّه بقوة طابع الآداب والثقافة العربية الذي كان يطبع الدولة الزيانية التي مرت إشارة إليها وما نبغ فيها من علماء وأدباء وشعراء أن البربرية قد تضاءلت أمام نور العربية المتلألئ ولم يبق لها من أثر إلا في كسر البيوت في ذلك العهد - أي ما بين القرن السابع إلى العاشر - ولا شك في أن هذا المظهر قد ازداد توطدا وترسيخا خلال الحقبة التالية.

وقد نوَّه المؤلف في سياق كلامه عن الحكم التركي الذي امتد من القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر للهجرة بقبيلة عربية كبرى اسمها الدواويدة (٢) وقال إنها كانت مستوطنة في الزاب الجنوبي وقد عسرته وبسطت عليه جناح نفوذها وكونت به شبه دولة رؤساؤها من أسرة أبي عكاز اعترفت بها الدولة التركية


(١) ص ٤٠٤.
(٢) ص ٤٥٠، والصحيح الدواودة وهي من أعظم قبائل رياح الهلالية.

<<  <  ج: ص:  >  >>