للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الوبر (سكان الخيام) وبربر من أهل المدر (سكان البيوت) حاول كوتيي Gautier تأويل انقسامهم إلى بتر وبرانس، فقال: إن البتر هم أهل البداوة والرحلة، والبرانس هم أهل الحضارة والاستقرار، وذلك يشبه انقسام البربر في التاريخ القديم إلى نوميديين وموريطارنيين وانقسامهم في التاريخ الحديث إلى عرب وقبائل (١)، وهذه النظرية ذات حظ من الصحة والصواب؛ لأن معظم قبائل البرانس يعيش عيشة استقرار في السهول والجبال الخصبة التي تكثر فيها الأمطار وتجود التوبة بأطيب الغلال، بينما يعيش معظم قبائل البتر متنقلا بين السهوب والهضاب والمناطق الرعوية الصحراوية أو القريبة من الصحراء، ولكن هذا الاختلاف في الحياة الاجتماعية بين البرانس والبتر لا ينطبق على جميع قبائلهم، فالحضارة والبداوة متبادلتان بينها، فبعض قبائل البرانس يعيش في جوف الصحراء عيشة بدوية تمثل أنقى صور البداوة كقبائل الملثمين الذين يسميهم الكُتَّاب الأوربيون الرعاة الكبار أو الجمالين الرحَّالة الكبار تمييزًا لهم عن الرعاة الصغار رعاة البقر والغنم، وقد ظلت قبائل الملثمين تعيش عيشتها البدائية في قلب الصحراء تقتات من التمر والقديد وحليب النوق، ولا تعرف الخبز ولا الدقيق في حين كان العرب يبنون صروح الحضارة ويحبون حياة البذخ والترف في المغرب الشمالي والأندلس، ومثل هذا ينطبق على قبائل البتر المتبدية، فقد كانت منها قبائل مستقرة تعيش عيشة حضرية مثل قبيلة كومية وقبيلة أوربة.

ومن الباحثين من رجح أن يكون الفارق بين الطائفتين ثقافيا، ذاكرًا أن قبائل البرانس المستقرة تأثرت بمظاهر الحضارة البونيقية واللاتينية والإغريقية بينما بقيت البتر بمعزل عنها لبداوتها ورحلتها، ولكن رد على من رأى هذا الرأي بمثل ما رد على من رجح أن يكون الفارق اجتماعيا من أن البداوة والحضارة أو النقلة والإقامة متبادلة ومشتركة بين الطائفتين معًا.

وفكر وليام مارسي في تفسير لفظتي البتر والبرانس تفسيرًا لغويا وتقسيم البربر إلى طائفتين على أساس الثياب التي تلبسانها، فعنده أن العرب نظروا في


(١). Gautier: Le Passe de l'Afrique p. ٢٤٢، وقد اعتاد الفرنسيون أن يسموا البربر في الجزائر قبائل، والبلاد البربرية بلاد القبائل Le Kabulie

<<  <  ج: ص:  >  >>