دعيّ، أي أن قُصي يدَّعي أنه ابن ربيعَة، وقال له: لست منا وانما أنت مُلْصَقٌ فينا .. فدخل قُصي على أمه فاطمة وقد وجَم وحزن لذلك، فقالت له: يا بني صدق ما قاله الرجل لك إنك لست منهم، ولكن رهطك خير من رهطه، وآباؤك أشرف من آبائه، وانما أنت قُرشي وأخوك وبنو عمك بمكة المكرمة وهم جيران بيت الله الحرام، فدخل مسرعًا مع قافلة سيارة حتى أتى مكة، وقد كان قُصي يسمى زيدًا وسبب تسميته قُصي لما أنه بَعُدَ أو كان قَصيا أي بعيدًا عن بلده وقومه، وقد دُعي بعد ذلك مُجَمَّعا لما أنه أول رجل يجمع بني فِهْر (قُريش) من قومهم كِنَانة بعد أن كانوا بيوتات مبعثرين وليس لهم أي كيان عشائري موحد، وقد رأى قُصي أن قُريشًا هم قُرْعَة بني إسماعيل وصريح ولده وأحق من خُزاعَة في مفاتيح الكعبة، ودعى قُصي رجالًا من قريش وكنَانة لإخراج خُزَاعة من الحرم وقد أجابوه، وأرسل إلى إخوانه من أمه فاطمة وَعلى رأسهم رِزَاح بن ربيعة العُذْري يطلب المدد والعون فأجابوه بفرسان من عُذْرة وسائر قُضَاعة، وخرجت خُزَاعة تعاونها بكر من كِنَانة لمحاربة قُصي ومن معه، فاقتتل الفريقان قتالًا شديدًا فكثُر القتلى بين الفريقين جميعًا، ثم تداعوا للصلح والتحكيم وقد اختاروا لذلك رجلًا من بكر - كنانة!.
ورغم أنه من خصوم قُصي، أي قبيلته التي شذت عن كِنَانة وكانت تقف مع خُزَاعة إلا أن هذا الرجل كان عادلًا واسمه يعمر بن عوف، وقد قضى بأن قُصيا هو أولى بالكعبة وأمر الحرم بمكة من خُزَاعة، وأن كل دم أصابه قُصي من خُزَاعة أو بكر (كِنَانة) موضوع يشدخه تحت قدميه، وأما ما أصابت خُزَاعة وبكر من قريش ومن عَاونها من باقي كِنَانة وقُضَاعة ففيه الديَّة مؤداة، وأن يُخَلَّى بين قُصي وبين الكعبة، فسُمِّي يَعْمُر بن عوف (من بكر - كِنَانة) - الشدَّاخ - لما أنه قد شدخ من الدماء ووضع فيها، وتولى قُصي أمر الكعَبة ومكة وصار هو زعيم قومه، وما كانت تُنْكح امرأة قُرشيَّة أو يتزوج قُرَشي إلا في داره ويُعقد لها بعض ولده، وما كانت تدرع جارية من قريش إذا بلغت إلا في داره، وكان يُشق عليها فيها درْعُها ثم تدرعهُ ثم ينطلق بها إلى أهلها، وكان أمره في قومه في حياته ومماته كالدين المُتَّبع لا يُعمَل بغيره!!.