للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يزل أولاد (مَعْد) في منازلهم هذه كأنهم قبيلة واحدة في اجتماع كلمتهم وائتلاف أهوائهم تضمهم المجامع وتجمعهم المواسم وهم يد على من سواهم حتى وقعت الحرب بينهم فتفرقت جماعتهم وتباينت مساكنهم، وأول حرب وقعت بين العدنانية كانت بسبب قتل حَزِيمة بن نَهد بن زيد بنِ لَيث بن سود بن أسْلُم بن قُضَاعة (ليذْكُر) من عَنَزة (ربيعة بن نِزار)، وكان حَزِيمة قد التقى بيذْكُر العَنَزي وكانا يجمعان أو يجتنيان القرظ (١) فوثب حَزِيمة على يذْكُر فقتله، وكان ذلك بسبب ضرب بني ربيعة له لتعرضه لابنه يذكُر بالشِعر، وكان حَزِيمة فتى فاتكًا متعرضًا بالأذى.

وفي مقتل يذْكُر العَنَزي من قبل حَزِيمة القُضَاعى قال العرب: حتى يئوب قارظ عنزة، وقال بشر بن أبي خازم:

فرجي الخير وانتظري إيابي … إذا ما القارظ العَنَزي آبا

فلما فُقِدَ يذْكر قيل لحَزِيمة: أين يذْكُر؟ قال: فارقني فلست أدري أين سلك؟ فاتهمته بنو ربيعة، وكان بسبب ذلك شر وضغينة ما بين ربيعَة وقُضَاعة لما أن يذكُر العَنَزي المقتول مجحودًا لم يتحقق أمره فيؤخذ بدَمِه، وظل هذا الحال من الغُبْن الكامن في صدور بني ربيعة حتى قال حَزِيمة القُضَاعي شِعرًا صرح واعترف فيه بقتل يذكُر العَنَزي.

وحين بلغ الشعر لبني ربيعة زاد الشر الذي بلغ حدا لا تهدأ ولا تنام علي هذا الصنيع من قبل حَزِيمة، وبالمثل اعتبر بنو مُضَر أن الضَيْم يلحقهم لما أن ربيعَة ومُضَر أبناء رجل واحد هو نِزَار، فاجتمعت ربيعَة ومُضَر على قُضَاعة وحالفتهم كنْدة القحطانية، واجتمعت قُضَاعة وحالفتهم عَكْ بن عدنان والأشعريون (٢) القحطانية .. فاقتتل الفريقان فهُزِمَت قضَاعة وأجْلوا عن منارلهم وظعنوا مُنْجدين أي عُنوة (٣) من بني نزار (ربيعة ومُضَر)، فقال عامر (٤) بن الظرب بن عياذ بن بكر


(١) القرظ شجر تدبغ بورقه الجلد.
(٢) الأشعريون من العدنانية نسبوا في اليمن، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم حين وفدوا عليه أنتم مهاجرة اليمن من ولد إسماعيل.
(٣) عُنوة: قهرًا بالقوة الجبرية.
(٤) عامر بن الظرب: كان من حكام العرب وشاعرًا مشهورًا في قيس عيلان من مُضر.

<<  <  ج: ص:  >  >>