فإن شيخ العربية أبا عمرو بن العلا المازني يقدم النابغة لجودة قصيدته الرائية المتقدم ذكرها، وقد اطمأن النابغة إلى حصانة بلاد قومه في الحرّة، وقيل: إن الغساسنة أمنوه وأضفوا عليه نوعًا من الحماية من غضب ملوك الحيرة غير أنه لم يسلم من حادثة مزعجة. . ذلك أنّ وادي أُقْر في حرَّة فَدَك كان حمى لأحد ملوك غسَّان فتربعته بنو ذبيان الغطفانية غضبًا ففزع النابغة وقال:
وخوفتني بنو ذبيان خشيته … وهل عليّ بأن أخشاك من عارِ؟
لقد نهيت بنو ذبيان عن أُقرٍ … وعن تربعهم في كل أصفارِ
وقلت: يا قوم إنَّ الليث منقبض … على براثنه لعدوه الضاري
ووادي أُقر يسيل من الحرّة - حرَّة فدك - شرقًا فيفضي إلى الحليفتين: الحُليفة العليا، والحُليفة السفلي، وأورد ابن سعيد في نشوته اسم أُقر باسم قراقر إمّا خطأ أو تصحيفًا، لكن محقق النشوة الدكتور نصرت عبد الرحمن صحح الاسم.
لقد أطلت في الحديث عمّا له صلة بفدك وليس من صلب الموضوع وسأتوسع في ذلك لأنني أرى أنّ هذا لازم للبحث عنها وعن غطفان، وأيام العرب في الساحوق، وطوالة، والرّقم، وأيام ملحمة داحس والغبراء فيما بين الحاجر والرقم وإلى أرض الشربة جنوب وادي الرَّمة إذ الوادي يفصل بين الشربة وضغن عدنه. . يدفعني إلى ذلك ما أراه من شدة اتصال هذه الأماكن ووقائعها بما نحن بصدد الحديث عنه من أخبار فَدَك. . ولما لمسته من خلو الدراسات التأريخية والأدبية عن حايل من البحث في مثل هذا الذي يجب أن يأتي في الطليعة من أخبار التأريخ والأدب الذي توفره معرفة الأيام وأصحابها. . كما أنني وقد عشت في هذه الأمكنة أيامًا ممتعة مع الصديق الكبير العالم الموسوعي الشيخ محمد بن عمر بن عقيل (أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري) أثناء إعداده لمشروعه الثقافي