للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ببلادها التي هاجرت إليها متمسكة بمظاهر الحياة البدوية، بينما تحضرت القبيلتان الأخريان ففقدتا بذلك كثير من مظاهر القوة وأصبحتا بحاجة إلى مؤازرة غيرهما من القبائل حتى جاء الإسلام فنالتا به عزًا بمسارعتهما إليه.

وكانت المدينة المنورة ميدانًا لصراع عنيف بين القبيلتين (الأوس والخزرج)، مما دفعهما إلى الاستعانة بالقبائل المجاورة لهما وهذا مما دفع الخزرج إلى محالفة جهينة، ويظهر أن صلة قبيلة جهينة بالمدينة كانت عريقة وقديمة حيث أن هنالك بعض الأُسَر القريبة النسب إلى جهينة مثل بني أُنف (أُنيف) من بلي من قُضَاعة وهؤلاء قد استوطنوا قبل الأوس والخزرج في المدينة.

ولما جاء الإسلام كان في المدينة جالية كبيرة من جهينة، ومن المستبعد أن يكونوا كلهم ممن هاجر بعد ظهور الإسلام، ويوضح هذا أن قبيلة جهينة كانت من أسرع القبائل استجابة للدعوة الإسلامية ومؤازرتها وهي في بلادها، ولهذا لم تكن بحاجة إلى أن تهاجر من تلك البلاد وقد ظهر فيها الإسلام، وقد انتقلت أكثر المواضع إلى غيرها من القبائل منذ عهد بعيد، ومواضع أخرى تشارك جهينة فيها قبائل غيرها، ومواضع ثالثة قد تكون نسبتها إلى جهينة من قبيل الجوار أو كانت قبائل أخرى تشارك جهينة في الاستيطان في كثير من منازلها ومواضعها، ومن القبائل التي جاورت جهينة قبيلة عَنَزة، كما جاورت جهينة في منازلها واختلطت بها قبيلة حرب.

واستطرد الجاسر عن تاريخ جهينة في صدر الإسلام قائلًا:

انتشرت جهينة في صدر الإسلام انتشارًا عظيمًا في البلاد المصرية، وقد استمرت تنمو وتتكاثر حتى أصبحت أكثر القبائل في الصعيد المصري عددًا، وبعد انتشار جهينة في مصر وبلوغها من القوة درجة تجعل حكام البلاد يناوءونها العداوة ويحاولون إضعافها ويناصرون عليها القبائل الأخرى إنساح قسم كبير منها إلى البلاد المتصلة بمصر (أي جنوب مصر).

وقد دخلت جهينة السودان في موجات متعددة، واتجه معظمها من طريق وادي النيل إلى الشرق حيث بلاد البجة وساحل البحر الأحمر، واكتظت بها المنطقة الواسعة التي تبدأ من حلفا الحالية إلى شمالي غرب الحبشة، وكان لجهينة أثر قوي في الضغط على مملكة النوبة المسيحية الشمالية (مملكة المقرة) حتى أزالتها ثم اندفعت إلى الغرب ثم إلى الجنوب فشغلت بقاعًا مترامية الأطراف من السودان تمتد من الشرق إلى الغرب انتهى قول الجاسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>