ما قال في حق الهمداني إلَّا بعد دراسة وتَرَوٍّ، ولا بد أن يكون غيره من الباحثين له موقف مماثل لمثل موقفه، فرأيت نشر البحث مع إضافة تعليق موجز لإيضاح رأيي حوله:
١ - يدرك الأستاذ الفاضل كما يدرك غيره أنَّ وصف عالم جليل بمثل تلك الأوصاف اعتمادًا على مجرد الاستنتاج، ليس مما يقبل على عِلَّاته، فعلماء الجرح والتعديل من المحدثين عندما يصفون راويًا بمثل تلك الأوصاف يدللون على ما حدث منه من ذلك، ولبس من اليسير التساهل في مثل هذا دون أن تثبت أدلة قاطعة على اتصاف ذلك الشخص بشيء من الصفات التي نسبت إليه.
٢ - الهمداني عاش في عصر وفي قطر كانت تتنازع عليه النفوذ فيهما ثلاث فرق متعادية، يحارب بعضها بعضًا، فرقة خاضعة للأمراء المحليين من أهل البلاد كآل يُعْفِرَ وغيرهم، وأخرى ناشئة يتولى زعامتهم الإمام الهادي وأتباعه، وفرقة ثالثة وهي فرقة القرامطة أتباع علي بن الفضل، وتوجد فرقة رابعة قوامها الأبناء من بقايا الفُرس الذين كان لبعض ذوي النفوذ من الأعاجم في الدولة العباسية في ذلك العهد بهم من الصلة ما يحملهم على مناصرتهم.
من هنا ولكون الهمداني ذا صلة بالأمراء المحليين غير اليعفريين، ولأنه كان متأثرًا بما كانت تعيشه البلاد من فرقة وتغلغل أفكار وآراء يراها طارئة ومضرة ببلاده، مع ما يتصف به من غزارة علم وسعة معرفة، كانت بعض آرائه على جانب من التطرف ممَّا أثار كراهية الآخرين وحقدهم، وجَرَّ عليه من الويلات والمصائب ما هو معروف.
وكان من أثر ذلك ما يبدو من خلال مؤلفاته من إشادة بفضل القحطانيين، وتقديمهم على غيرهم، بل محاولة إظهار بعض مساوئهم بمظهر حسن، لا يتفق مع الواقع المعروف.
ومع ما اشتهر عنه من ذلك أي من تعصبه لقومه تعصبًا يدفعه في بعض الأحيان إلى ما يحاذر منه كإيراد بعض الأخبار الباطلة أو رواية بعض النصوص