وأنه قاله وقد بلغ من العمر مئتي عام، فجعلوه بذلك معاصرًا للمناذرة ملوك الحيرة فيكون على قولهم هذا قد عاش طويلًا في الإسلام، وقد أدرك هشام بن الكلبي هذا التناقض في إحدى رواياته فصحح عُمر زهير واقتصر على مئتي عام، وهو عمر كشاف ولا شك يشتاق أنه يبلغه كل إنسان، ولكنه عمر استقله الأشياخ الكلبيون الذين لا يرضيهم هذا التنقيص في السن.
ولم يكن زهير رئيسًا لكلب خاصة، بل كان على رأي الرواة الكلبيين رئيسًا على كل قُضاعة. ويذكر الإخباريون أن قُضاعة لم تجتمع على إطاعة رئيس إلّا زهير ورزاح بن ربيعة وهو من عُذرة، وكان رزاح هذا أخا قُصي بن كلاب القرشي لأمه، وقد جعل الاخباريون زهيرًا معاصرًا لكليب (وائل) التغلبي، ويفهم من شعر منسوب إلى المسيب ابن الرفل، وهو من ولد زهير بن جناب قال مفتخرًا بزهير متبجحًا به: إن أبرهة الأشرم (الحبشي ملك اليمن) كان قد اصطفى آل زهير، وسوسها على الناس وأعطاه الإمرة عليهم وجعله أميرًا على حييّ (معد) وعلى ابني وائل، حيث أهانهما وأذلهما، ومعنى ذلك أن زهيرًا كان في أيام أبرهة أي في النصف الأول من القرن السادس للميلاد، وأنه على ذلك كان معاصرًا لقصي بن كلاب زعيم قريش وقتئذ. ولم يقتنع الكلبيون بكل ما ذكروه عن حياة زهير بل أرادوا أن تكون خاتمة زهير خاتمة غريبة، كذلك كغرابة حياته فذكروا أنه كبر حتى خرف وحتى استخفت به نساؤه، وأنه لم يتمكن بعد الأكل بنفسه، فصارت معزبته تطعمه بنفسها، إلى أن مل الحياة على هذا النمط، فأخذ يشرب الخمر صِرْفا أيامًا حتى مات، وذكروا أن أحدًا من العرب لم يفعل هذا الفعل غير زهير وغير أبي براء عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب من بني عامر (هوازن)، والشاعر عمرو بن كلثوم التغلبي الوائلي، ويروي الإخباريون في ذلك أن أبرهة حين طلع على بلاد نجد أتاه زهير الكلبي فأكرمه وفضله على من أتاه من العرب، ثم أقره على بكر وتغلب ابني وائل من ربيعة فوليهم، وصار يجبي لهم الخراج، وحدث أن أصابتهم سِنَةٌ شديدة لم يتمكنوا فيها من دفع ما عليهم إليه، فلما طالبهم بها اعتذروا عن الدفع، فاشتد عليهم ومنعهم من النجعة حتى يؤدوا ما عليهم فكادت مواشيهم تهلك!، فلما رأت بكر بن وائل ذلك برز ابن زيابة أحد بني تيم الله بن ثعلبة من بكر، وكان هذا الرجل فاتكًا معروفًا وقتئذ، فأتى زهير الكلبي وهو نائم