للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأغمد السيف في بطنه ثم فرّ هاربًا ظانًا أنه قد أهلكه. ولما أفاق زهير، أخذ من كان معه من بني كلب وعامة قومه حتى وصلوا به إلى قبيلته، فجمع عندئذ جموعه ومن قدر عليه من أهل اليمن وغزا بهم بكرًا وتغلب، وقاتلهم قتالًا شديدًا، فانهزمت به بكر ثم قاتلت تغلب بعدها فانهزمت أيضًا، وأُسر كليب ومُهلهل ابنا ربيعة التغلبي، وأُخذت الأموال وكثرت القتلى في بني تغلب، وأُسرت جماعة من فرسانهم ووجوهم وانتصر زُهير نصرًا عظيمًا (١).

كما نسبت إلى زهير حرب أخرى مع غَطَفان من قيس عيلان (مُضَر). قالوا: إن سببها أن بني بغيض (٢) بن ريث بن غطفان حين خرجوا من تهامة ساروا بأجمعهم، فتعرضت لهم صدّاء وهي قبيلة من مَذْحِج القحطانية، فقاتلوهم، وبنو بغيض سائرون بأهليهم وأموالهم، فقاتلوهم عن حريمهم فظهروا على صدّاء وفتكوا بهم، فعزّت بغيض بذلك، وأثرت وكثرت أموالها، فلما رأت بنو بغيض ذلك وبطرت قالوا: والله لنتخذن حرمًا مثل مكة لا يُقتل صيده ولا يُهاج عائذه!

فبنوا حرمًا ووليه بنو مُرَّة بن عوف من ذبيان، فلما بلغ زهير بن جناب فعلهم وما أجمعوا عليه أبى ذلك وقرر منع غطفان من اتخاذ هذا الحرم، فسار إليها بجموع كثيرة من كلب وقضاعة فظفر بهم وأصاب حاجته منهم، وأخذ فارسًا منهم فقتله وعطّل ذلك الحرم المزعوم (٣). كما روى الإخباريون أنه حارب بني القين ابن جسر من قُضاعة وكانت له أخت متزوجة فيهم، فأرسلت من أخبره بعزم بني القين على محاربته، فاستعد لها، فقاتلها، وقتل رئيسها وانصرفت خائبة عنه.

ويظهر هنا من غربلة روايات الإخباريين عن زهير بن جناب الكلبي أنه فعلًا بطل كلب، وأنه من رجال القرن الخامس الميلادي، وأنه لم يكن بعيد عهد عن الإسلام وأنه كان معاصرًا لأبرهة، ولعله كان قد تحالف معه فترك حلفه معه أثرًا في ذاكرة الإخباريين، والظاهر أنه أيضًا كان ذا شخصية قوية ومحاربًا حارب جملة قبائل فأخضعها وبذلك بسط نفوذه عليها، ووضع اسم قبيلته على القبائل الأخرى وقتئذ. ولعل اتصاله بأبرهة وبلاد اليمن هو الذي أوجد رابطة نسب قبائل قُضاعة بحِمْيَر القحطانية اليمانية.

نقلًا عن ابن الأثير ص. وهم قبائل عبس وغزارة (ذبيان) من بغيض من غَطَفَان.


(١) نقلًا عن ابن الأثير ص ٢٠٥.
(٢) وهم قبائل عبس وفزارة (ذبيان) من بغيض من غطفان.
(٣) نقلًا عن ابن الأثير ص ٢٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>