للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك بأن هذا الاستبعاد المفاجئ لقبيلة كلب عن مسرح الأحداث بعد كل ما ذكرت، له أبعاده الخطيرة على مكانتما بين قبائل الجزيرة العربية في الحقب التالية، بل وعلى تماسكها ككيان قبلي قوي، بل وإنه السبب الأول الذي حدا بها فيما بعد إلى مناوءة الدولة العباسية، ولذلك فقد ناصر قسم كبير منها القرامطة في حرب العباسيين، ولما هُزم الأمويون ودُمر القرامطة لحقهم شيء من الحيف مع قبائل قيسية أخرى ناصرت القرامطة مثل سُلَيْم، وهِلَال وكلَاب وغيرهم من هَوَازِن أو غطفان.

وبقية كلب في بلادهم الأصلية هم الشرارات، وتشتهر "ببني مكْلب"، وبها نخوتهم، وهم بنو كلب بن وبرة، اشتهروا بقوة بأسهم، وقد قارعوا القبائل جميعها من حولهم من بني وائل وطيئ وقيس وجُذام وغيرها، وحافظوا على ديار كلب القديمة مِنْ أن يستولي عليها أحد حتى وقتنا الحاضر، وقد عاش الشرارات على مدى تاريخهم في حروب مع القبائل القوية، ولم تتمكن هذه القبائل من بلادهم الخصبة في وادى السرحان، لأهميتها وقرب المياه في بلادهم، ووفرتها، وثراء الشرارات بالإبل النجيبة من عهد بني كلب.

ونعود إلى هجرات بطون كلب - بعد القضاء على القرامطة - إلى بلاد مصر وشمال إفريقية (بلاد المغرب العربي) بعد عام ٤٤٠ هـ.

ومما يؤكد وجود قبائل كلبية في مصر نصوص وردت في قلائد الجمان وقد أسلفنا عنها عن قول العلّامة أبي العباس القلقشندي عن كلب، وكذلك نصوص أخرى لابن خلدون وابن حزم وغيرهم، وكلها توضح أن لقبيلة كلب القُضاعية صوْلة وقوة في الديار المصرية بعد عام ٤٤٠ هـ ذكره ابن الأثير (١):

"قال في ذكر عصيان بني قُرة (من عرب هلال) على المنتصر بالله الفاطمي بمصر: فعبر إليهم المنتصر جيشًا يقاتلهم ويكفهم، فقاتلهم بنو قُرّة، فانهزم الجيش


(١) الكامل في التاريخ ج ٨ ص ٣٣٢ سنة ٤٤٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>