تزل باقية حتى الآن. كان المعيتري جارهم قد خلفوه وراءهم غير أنه لم يستطع الصبر فسار بمحاذاة النيل شرقًا حتى أدركه المبيت عند بلدة قاو، فبات عند أحد الفلاحين ليتحسس أخبار قومه، وبعد العشاء بفترة سمع ضجيجًا ورغاء حوار صغير فسأل: هل في المنطقة إبل؟ فقالوا له: لا توجد إبل في هذه أبدًا. فعرف المعيتري أن هذه إبل قومه، فاعترضهم وحمد الله على سلامتهم وركب معهم ورجعوا إلى حجازة موطنهم جنوب قنا، وكان المعيتري قد سار ما يقرب من مائتين وعشرين كيلا شمال قنا ماشيا. ولقد كان لهذه الواقعة أثرها المدوي في أوساط عربان مصر في هذه الفترة ولفترات طويلة وأثرت على مجريات أمور كثيرة، ولعلها كانت السبب في عدم توغل تلك القبائل نحو أعالي الصعيد كقنا وسوهاج وأسوان للآن (إذ تخلو قنا وسوهاج وأسوان من الحويطات والمعازة والعيايدة إذا ما استثنينا أشراف قنا الذين توطنوا قبل تلك المعركة بزمن بعيد. والمقصود بالأشراف الذين كانوا في المنيا وسط العربان أي كانوا بدوًا في تلك الفترة)(١).
أما العوازم فظلوا فترة لا يتوغلون شمالا، ثم ما لبثوا أن غلبوا على تلك البلاد وكانت لهم الزعامة في أسيوط والمنيا وبني سويف حتى الآن. بل إن بعض العوازم الذين اشتركوا في معركة الفرطلة سكن المنيا على مرأى ومسمع من تلك القبائل دون أن يهابها أو يقيم لها وزنا؛ وهو عودة بن رشدان الجابري الذي أقام فترة طويلة في المنيا في بلدة تُدعى جلدة بفتح الجيم وتسكين اللام وفتح الدال - كثيرًا ما ترد في شعره يقول يخاطب أحد أحفاده: وهي قصيدة طويلة تسرب لها النسيان عند الرواة: