ومنها أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام سنة ٨ هـ بمكة عام الفتح، نصف شهر لم يزد على ذلك، حتى جاءت هوازن وثقيف فنزلوا بحُنين، وهم يومئذ عامدون، يريدون قتال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكانوا قد جمعوا قبل ذلك، حين سمعوا بمخرج رسول الله من المدينة، وهم يظنون أنه إنما يريدهم، حيث خرج من المدينة، فلما أتاهم أنه قد نزل مكة، أقبلت هوازن عامدين النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأقبلوا معهم بالنساء والصبيان والأموال، وأقبلت معهم ثقيف، حتى نزلوا حُنينًا، يريدون النبي ومن معه من المسلمين، فلما حدث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة أن قد نزلت هوازن وثقيف بحُنين، يسوقهم مالك بن عوف النصري أحد بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن، وهو رئيسهم يومئذ، عمد النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى قدم عليهم، فوافاهم بحنين فهزمهم، وكان الذي ساقوا من النساء والصبيان والماشية غنيمة غنمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسم أموالهم، فيمن كان أسلم معه من قريش.
وفي سنة ٩ هـ قدم وفد من ثقيف بعد قدومه عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوك، وكان من أمرهم أنه - صلى الله عليه وسلم - لما انصرف من الطائف قيل له: يا رسول الله: ادع على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفًا، وأت بهم، ولما انصرف عنهم، اتبع أثر عروة بن مسعود بن متعب، حتى أدركه، فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فلما أشرف لهم على عُلية، وقد دعاهم إلى الإسلام، وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله، ثم أقامت ثقيف بعد قتله أشهرًا، ثم أنهم ائتمروا فيما بينهم، ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب قد بايعوا وأسلموا أن يرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما قدموا على النبي، ضرب عليهم قبة في ناحية المسجد، وكان خالد بن سعيد العاصي هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أسلموا واكتتبوا كتابهم، وكان خالد هو الذي كتبه،