للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتيمًا في حجُور النساء؟ فقال الحارث؛ ذلك يوم لم أَشْهَده، وأنا مُغْنٍ اليوم بمكاني. فقال خالد: فهلا تشكر لي إذ قتلتُ زهير بن جُذيمة وجعلتُك سيِّدَ غَطَفَان؟ قال: بلى، سوف أشكرك على ذلك.

وكان مع خالد ابن أخيه عروة الرحَّال بن عُتبة بن جعفر الكلابي العامري، فقال عروة لعمه خالد: ما أردتَ بكلامك وقد عرفته فتاكًا! فقال خالد: وما تخوِّفني منه؟ فوالله لو رآني نائمًا ما أيقَظني (١).

ثم إن الحارث بن ظالم ذهب إلى امرأة فشرب عندها، وقال لها أن تغني:

تعلمْ أبيت اللعن أنِّي فاتكٌ … من اليوم أو من بعده بابنِ جَعْفرِ

أخالد قد نَّبهْتَني غيرَ نائمٍ … فلا تأمنَنْ فَتْكِي مدى الدهر واحذر

أعيْرتَني أَنْ نلتَ مني فوارسًا … غَداةَ حُراض مثل جِنّانِ عَبْقَرِ (٢)

أصابهمُ الدهرُ الختُورُ بخَتْرِهِ (٣) … ومَنْ لا يَقي اللهُ الحَوادثَ يَعْثر

لعلك يومًا أن تنوء بضربةٍ … بكفِّ فتى من قومه غير جَيْدَر (٤)

يَعَضُ بها عُليا هوازن والمنى … لقاء أبي جَزْءٍ بأبيض مبْتَرِ

فبلغ خالد بن جعفر قوله فلم يَحْفلُ به. وكان عبد الله بن جعدة - وهو ابن أخت خالد - رجلَ قيس رأيًا، وبلغه قول الحارث؛ فأرسل ابنه إلى خالد، وقال له ائته وقل له: يا أبا جَزء؛ إن الحارث بن ظالم سفيه مَوْتور، فأخْفِ مبيتَك الليلة فإنه قد غَلبه الشَّراب، فإن أبيت فاجْعَلْ رجلًا يحرسك.

فلم يقبل خالد أن يُخفي مبيته، ولكنه نام وجعل رجلًا يحرسه، ونام عُروة وابن جعدة دونَ خالد (٥). ولما أظلم الليل أقبل الحارث حتى انتهى إلى ابن جعدة وعروة فتعداهما، ثم أتى قبة خالد فهتك شَرَجَهَا (٦)، ومضى إلى خالدِ فأيقظَه فلما استيقظ قال


(١) عبارة العقد الفريد: فلما خرج الحارث، قال الأسود لخالد: ما دعاك إلى أن نتحرش بهذا الكلب وأنت ضيفي؟ فقال له خالد: إنما هو عبد من عبيدي لو وجدني نائمًا ما أيقظني.
(٢) حراض: وادٍ لذبيان رهط الحارث، وعبقر: موضع كثير الجن، والجان من الجن جمعه جنان.
(٣) الختر: الغدر.
(٤) الجيدر: القصير.
(٥) في ابن الأثير: ثم خرج خالد وأخوه إلى قبتهما فشرجاها عليهما ونام خالد وعروة عند رأسه يحرسه.
(٦) الشرج: عرا الخباء والعيبة ونحو ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>