للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له: أتعرفني؟ قال: أنتَ الحارث؟ قال: خُذْ جَزاء يدك عندي، وضربه بسيفه فقتله، ثم خرج من القبة وركب راحلته وسار.

وانْتَبه عروة، فصاح: وآجوار الملك! (١) ثم ذهب إلى باب النعمان فدخل عليه وأخبره الخبر، فبثَّ الرجال في طَلب الحارث.

قال الحارث: فلما سمرتُ قليلًا خِفْتُ أن أكونَ لم أَقْتله، فعدتُ متنكِّرًا واختلطت بالناس، ودخلت عليه فضربته بالسيف حتى تيقَّنْتُ أَنَّه مقتول، وعدتُ فلحقتُ بقومي.

ولما رجع الحارث إلى قومه أبوا أن يجيروه، فغضب لذلك قيسُ بن زهير بن جذيمة العبسي، وهو الذي قتل خالدُ بن جعفر أباه، فأرسل إلى الحارث بهذه الأبيات:

جزاك الله خيرًا من خلل … شفى من ذي تُبُولته (٢) الخليلا

أزحتَ بها جوىً ودخيلَ حزنٍ … تمخَّخ أعظمي زمنًا طويلا

كسوتَ الجعفري أُبَّي جَزْء (٣) … ولم تحفل به سَيْفًا صقيلا

أبأت به زهيرَ بني بغيض (٤) … وكنتَ لمثلها ولها حمولا

كشفتَ لها القناع وكنت مِمَّن … يجلِّي العار والأمر الجليلا

فأجابه الحارث بن ظالم:

أتانى عن قُيَيْسِ بني زهير … مقالةَ كاذب ذكر التُبولا

فلو كنتم كما قلتم لكنتم … لقاتل ثَأرِكم حِرْزًا أصيلا

ولكن قلتمُ: جاور سوانا (٥) … فقد جللتنا حدثًا جليلا

ولو كانوا هُمُ قتلوا أخاكم … لما طردوا الذي قتل القتيلا


(١) وسمعت امرأة من بني عامر بقتل خالد، فشقت جيبها، فقال عبد الله بن جعدة الكلابي:
شقت عليك العامرية جيبها … أسفًا وما تبكي عليك ضلالا
يا حار لو نَبَّهْته لوجدته … لا طائشًا رعشًا ولا معزالا
المعزال: من لا رمح له.
واغرورقت عيناي لما أبصرت … بالجعفري وأسبلت إسبالا
فلنقتلن بخالد سرواتكم … ولنجعلن للظالمين نكالا
فإذا رأيتم عارضًا متلببًا … منا فإنا لا نحاول حالا
(٢) التبولة: جمع تبل وهو العداوة.
(٣) أبو جَزء: كنية خالد بن جعفر.
(٤) هو زهير بن جذيمة وينتهى نسبه إلى عبس بن بغيض بن ريث بن غَطَفَان.
(٥) وقد جاور فيما بعد بني تميم.

<<  <  ج: ص:  >  >>