للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغنائم فأجابه؛ ثم ذهب إلى الجَون الكلبي ملك هَجر، فقال له: هل لك في قوم قد ملأوا الأرض نعمًا وشاءً، فترسل معي ابنيك، فما أصبنا من مال وسبي فلهما، وما أصبنا من دم فَلي؟ فأجابه الجون إلى ذلك، وجعل له موعدًا رأس الحول.

ثم أرسل إلى كل من كان بينه وبين عبس ثأر، يسأله الحول والتظاهر على غزو عبس وعامر؛ فاجتمع إليه بنو ذبيان لعداوتهم لبني عبس بسبب حرب داحس والغبراء، وبنو أسد لحِلْفٍ كان بينهم وبين بني ذبيان.

ولما كان على رأس الحول من يوم رَحْرَحَان انهلَّت الجيوش على لقيط: أرسل الجون جيشًا وعليه ابناه عمرو ومعاوية، وأرسل النعمان جيشًا وعليه أخوه لأمه حسَّان الكلبي، وأقبل الحليفان أسد وذبيان وعليهم حِصْن بن حُذيفة الفزاري، وأقبل شرحبيل بن أخضر في جمع من بني كِنْدة.

وسار بنو تميم في رؤسائهم: حاجب بن زرارة، ولقيط بن زرارة، وعمرو بن عمرو، والحارث بن شهاب؛ ومعهم أحلافهم، وتبعهم غُثَاء (١) من الناس يريدون الغنيمة، وتم لهم جمعٌ لم يكن في الجاهلية أكثر منه؛ فلم تشك العرب في هلاك بني عامر بن صعصعة.

ولما سمعت بنو عامر بمسيرهم اجتمعوا إلى الأحوص - وهو يومئذ شيخٌ كبير، قد وقع حاجباه على عينيه، وقد ترك الغزو، غير أنه يدبر أمر الناس، وكان مجربًا حازمًا ميمون النقيبة (٢)؛ فأخبروه بالخبر، فقال لهم الأحوص: قد كبرتُ فما أستطيع أن أجيء بالحزم، وقد ذهب الرأي مني؛ ولكن إذا سمعت عرفت، فأجمعوا آراءكم، ثم بيتوا ليلتكم هذه، ثم اغْدوا عليَّ، فاعْرضوا عليَّ آراءكم.

ففعلوا، فلما أصبحوا غدوا عليه، فوضعت له عباءة بفنائه فجلس عليها، ورفع حاجبيه عن عينيه بعصابة، ثم قال: هاتوا ما عندكم، فقال قيس بن زهير العبسي: بات في كنانتي اليوم مائة رأي، فقال له الأحوص: يكفينا منها رأي واحد حازم صَليب مُصيب؛ هات فانثُر كنانتك. فجعل يعرض كلَّ رأي رآه حتى أنفد (٣). فقال له الأحوص: ما أرى أنه بات في كنانتك الليلة رأي واحد.


(١) الغثاء: ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد وورق الشجر البالي، يريد أراذل الناس وسقطهم.
(٢) ميمون النقيبة: محمود المختبر.
(٣) يريد حتى انتهى، ويقال: أنفد القوم؛ إذا نفد زادهم أو مالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>