للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول غير جازم أن أمير عسير عام ٤٢٠ هـ وهو محمد بن عبد الله بن سعيد بن هشام - وصف عموم جيوش القرامطة بعد تلك الوقعة ب (هُتيم) تنكيلًا ببني هُتيم الكلابيين؛ الذين قادوا جيش ابن قرمط باتجاه عسير في عام ٤٢٠ هـ، وهكذا كان.

ومنذ ذلك العهد، أصبحت كلمة هُتيم مرادفة لكلمة قرامطة، وسواء قيل قرمطي أو قيل هُتيمي - وقتئذ - فالمعنى صار واحدًا عند العوام.

وكما هو معروف أن نفور العرب من القرامطة راجع إلى سفكهم لدماء المسلمين في الحرم عدة مرات، وقيامهم بسرقة الحجر الأسود من جوف الكعبة، ونقله إلى دولتهم في بلاد هجر والإحساء (١)، وقد جعلوا لهم كعبة مُصطنعة في هذه الديار بشرق الجزيرة العربية لمدة اثنين وعشرين عامًا، وصار المسلمون من حجاج بيت الله الحرام - كل هذه المدة - يطوفون بالكعبة دون وجود الحجر الأسود في جوفها!.

وهذا الحدث يُعدُّ في عهد الخلافة العباسية أكبر فتنة للمسلمين، ومن ثم دليل على تمزُّق كيان الأمة العربية - حينئذ - بعد أن عجز الخليفة العباسي في بغداد عن حماية أقدس مقدسات المسلمين من هؤلاء الرافضة الذين عبثوا بها.

وقد بذل بجكم نائب بغداد خمسين ألف دينار للقرامطة كي يردوا الحجر الأسود إلى قراره في الكعبة المشرَّفة، فأبوا، وظل الحجر في بلاد الإحساء طيلة هذه المدة، حتى أعادوه بلا مقابل عام ٣٣٩ هـ إلى مكة المكرمة، وقالوا: أخذناه بأمر الله ونعيده بأمر الله! (٢).

ويظهر لنا ارتباط قبيلة هُتيم بهؤلاء القرامطة حتى قرب نهايتهم واندحارهم في الجزيرة العربية بعد غزو عسير بعقود قليلة، وقد كان وجود هُتيم على الساحة جنبًا إلى جنب مع ابن قرمط في غزو إقليم عسير حتى نهاية العقد الثاني من القرن الخامس الهجري، وهذا على العكس من بقية فروع بني كلاب - أخوة هُتيم - ومن سائر بني عامر من هوازن، أو من بني سُلَيْم، فنرى أن هذه القبائل القيسية كانت لا تؤيد مذهب الرافضة، بل كانت تحارب إلى جانب القرامطة لمجرد النكاية بالعباسيين في بغداد،


(١) هذه البلاد من شرق الجزيرة العربية كان يُطلق عليها بلاد البحرين، وأما في العصور المتأخرة فأصبح اسم البحرين يُطلق على جزيرة صغيرة في الخليج العربي وهي دولة البحرين بالوقت الحاضر.
(٢) انظر في كتاب دولة الإسلام لشمس الدين الذهبي ٦٧٣ - ٧٤٨ هـ - طبع في دولة قطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>