وفي الأثر:"تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم"، فالتواصل هو أسمى الغايات من معرفة الأنساب، ومتى انتفت تلك الغاية السامية التي أساسها التعارف والتآخي، زالت الفائدة من ذلك العلم، بل أصبح الاشتغال به من الأمور التي قد تصرف عما هو خير منه، هذا إذا لم يصبح الاهتمام به ضارًا، وذلك عندما يُتخذ وسيلة للتباهي وللتفاخر، بتفضيل شعب على آخر، أو قبيلة على غيرها؛ إذ التفاضل الصحيح ما كان قائمًا إلَّا على الأعمال النافعة كما في الحديث النبوي:"إن الله قد أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدَّعنَّ رجال فخرهم بأقوام، إنما هم فحم من فحم جهنم، وليكونن أهون على الله من الجُعلان التي تدفع بأنفها النتن"(١).
ذلك أن أصل بني الإنسان عربهم وعجمهم واحد، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالعمل الصالح وتقوى الله عز وجل.
ومن هنا يتضح أن مجرد الانتساب لأية قبيلة أو شعب، مهما بلغت تلك القبيلة أو ذلك الشعب من سمو المنزلة، لا يجدي شيئًا.
وأمر آخر فعلم النسب من العلوم التي تتوارثها الأجيال، وليس من العلوم القائمة على أسس عقلية تُدرك بالتعمق في البحث، بحيث يتبين صحيحها من زيفها، ولا شك أن ما تتناقله الشعوب من موروث تراثها ليس قائمًا على حقائق علمية ثابتة، فكل نقل عُرضة لحدوث الخطأ فيه، وكل خبر يحتمل الصدق أو الكذب لذاته، ولا يمكن الجزم بصحته ما لم تكن هناك قرائن تُوجب ذلك الجزم، مما هو ثابت بوحي من الله سبحانه وتعالى، أو مما صحت نسبته إلى أحد أنبيائه عليهم الصلاة والسلام.
ولقد كان - ولا يزال - من أهم ما اتجه إليه حينما أتحدث عن الأنساب، البحث عن الوسائل التي تقوي ما بين القبائل العربية من روابط، ومحاولة إثبات أمر لا يختلف فيه من عُني بالبحث في علم الأنساب، وهو أن جميع سكان هذه الجزيرة العربية تقوم
(١) أورده السيوطي في جمع الجوامع، ونسب روايته إلى الإمام أحمد وأبى داوود والبهقي، والعُبية - بضم العين وكسرها وتشديد الباء الموحدة مكسورة بعدها مثناه تحتية مشددة مفتوحة هي النخوة والفخر والكبر.