بالحجة والمنطق وأقول كيف بهذه القبيلة (هُتيم) التي ضعفت ومُزِّقت شر ممزق وشُنِّع بفرسانها، وحكم عليهم حكمًا صارمًا زمنًا من الدهر بعدم ركوب الابل والخيول، وقد تعرضت للمقاطعة الجائرة - كما تقدم - كيف لها وهي بهذا العجز وهذا الخوَّر؛ أن تتمكن من ديار العديد من القبائل العدنانية، ثم لا تكتفي بدلك فتضم ديار كلب القُضاعية المعروفة في شمال الجزيرة العربية؟!
الأمر الثاني وهو الأهم والذي يدعو للتعجُّب هو أن بلا بني هُتيم - حسب ما أوضحنا - كانت ما بين رنية وبيشة ومركزهم في الخرمة، وهي ديار عامرية هوازنية منذ الجاهلية، فكان الأجدر والأفضل بأبناء هُتيم هؤلاء أن يتشبثوا بديار أجدادهم وبلاد قومهم والتي نبتوا فيها؛ لا أن يقتحموا ديار قبائل عدنانية مشهورة بضراوتها ثم يأخذون هذه الديار المنيعة ويستولون عليها عنوة واقتدارًا، ويقارعون القبائل الطامعة فيها ثم يتقدمون بكل ثبات ورباطة جأش إلى مشارف الشام ووادي السرحان وبلاد الجوف ليكتسحوا ديار كلب ويضمونها هكذا بسلام لتصبح ديارًا جديدة للهُتمان!؟
كلا يا أمة العرب فبنو هُتيم هؤلاء لم يحفظوا مركزهم المعنوي بعد الضربة القاسمة التي تعرضوا لها عام ٤٢٠ هـ، فضلًا عن حفظ ديار كانت لهم مع قومهم من بني كلاب وسائر بني عامر وهوازن - وهي بلادهم المذكورة - فكيف بهم إذن أن يسيطروا على بلاد عدة قبائل وفي أماكن مختلفة في آن واحد، ثم نراهم يحتفظون بهذه البلاد أو تلك الديار حتى الوقت الحاضر دون منازع أو معارض؟! ثم أتساءل مرة أخرى أهل الألباب والعقول؛ هل أن قبائل العرب في شبه الجزيرة العربية ستكون هذه الفعال من بني هُتيم على مرأى ومسمع منها وتقف هكذا متفرجة مكتوفة الأيدي؟
كلا، فلن يتركوا بالطبع هذه القبيلة الممزقة المنبوذة (هُتيم) تصول وتجول في طول الجزيرة العربية وعرضها على هواها وحسب مزاجها، ثم تملك ديارًا غير ديارها المعروفة وتنهل من آبار ليس لها وترعى الكلأ في بلاد غير بلادها بكل أمان واطمئنان.
كلا وألف كلا يا من أرختم عن أنساب القبائل وقلبتم الأمور بالزور والبهتان وجعلتم العديد من القبائل العدنانية المعروفة من الهُتمان، ثم ألحقتموهم بقايا كلب من قُضاعة بالظلم والعدوان، فيا عجبًا أن جمعتم قُضاعة في قيس عيلان!؟