للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شق لنفسه طريقا في هذه الحياة، وكون لربعه (١) صيتًا في هذه البلاد، ونال من المال والرفعة مقاما يحسده عليه الكثيرون فتراهم يقولون عنه أنه بعد أن كان شقيا طريدا أصبح يجالس الحكام والأمراء، وبعد أن كان لا يملك شروى نقير أضحى رب مال ومواشٍ وكروم وأطيان، وبعد أن كان هائما على وجهه في البراري والقفار مهتبلا الفرص لينقض على فرائسه أمسى يغشى المجالس ويتصدر الاجتماعات.

ولقد حدثني هو عن تاريخ حياته فقال:

"ولدتني أمي عام ١٢٨٨ للهجرة ومات أبي وأنا لا أزال في نعومة أظفاري، فلقد قُتل في المعركة التي دارت رحاها بين التياها والترابين عام ١٢٩٣ هـ، ودفن في الضاهرية. لم يكن لي ذكر كالذي تسمعه الآن، ولم يبد لي شأن قبل عام ١٣٢٨ هـ، ويوم انتدبت لأن أكون عضوًا في (مجلس الإدارة) في بئر السبع، وبقيت عضوًا في المجلس المذكور حتى شبت نيران الحرب العالمية الأولى. وفي أثناء الحرب المذكورة عينت مأمورا لجباية الحبوب للجيش التركي الذي كان مرابطا في هذه البلاد. ولما هجر العربان منازلهم بأمر من الحكومة، ونزلوا السواحل ليكونوا بعيدين عن ميادين القتال بسبب تقدم الجيش الإنجليزي لم أستطع أن أهاجر مع من هاجر من عشيرتي بسبب مرضي، بل ظللت في (بايكتي) (٢) إلى أن جاء الإنجليز، واعتقلوني. وقد أخذني هؤلاء إلى (دير البلح)، وهناك وضعوني في معتقل الأسرى".

"وفيما كنت أسيرًا تعرفت إلى مدير الاستخبارات في الجيش الإنجليزي، فعرفني هذا إذ كنت في أحد الأيام الغابرة قد أهديته فرسا فحفظ الجميل وأراد أن يقابلني بأحسن منه فبالغ في إكرامي وعرفني إلى قادة الجيش ورجاله، ولا سيما إلى (باركل باشا)، فأحبتي هذا وقربني إليه، وأذن لي أن أحصد جميع زروع


(١) (الربع) جماعة من الناس، كلمة يستعملها البدو في مقام (الصحب) أو (العشيرة).
(٢) اسم المكار الذي يستعمله البدو لخزن حاصلاتهم الزراعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>