فلما أقبلوا على صاحب ذلك البيت ليلًا وكان الوقت شتاءً والجوُّ ممطرًا، أخذوا ما كان متطرفًا من إبله وكانوا وقت أخذهم للإبل يسمعون صياح زوجة صاحب البيت وهي تتولَّد وتنخي زوجها أن يحلب لها من الناقة حيث إنَّ المرأة إذا ولدت جاعت، فيقوم الزوج اللئيم ويحلب الناقة ويشرب هو ثم يقول للزوجة لَمْ أجد حليبًا فتقول الزوجة اذهب إلى الناقة الفلانية التي أعطاها لي أبي فستجد بإذن الله فيها لبنًا، فيذهب ذلك الزوج اللئيم لهذه الناقة فيحلبها ويشرب الحليب ويترك الزوجة فلما سمع ذلك علي الحمر رقَّ لها وقال لأصحابه: اذهبوا بالإبل التي أخذناها إلى مرابع قومنا ولكني أشرط عليكم هذه الناقة التي عليها (دبدوب)(١) أن تكون من نصيبي وسأجلس أنا لأخلص هذه الزوجة من بلواها، وكان معه في مزادته تمرًا من تمر البصرة، فلما رأت المرأة جلافة زوجها وعدم مبالاته قالت: هل لديّ من الأجواد أحدًا، فذهب إليها علي الحمر وتسلَّل من تحت البيت وأعطاها كسرة كبيرة من التمر ثم ذهب، فأكلت المرأة حتى شبعت، أمَّا علي الحمر فمشي في هذا الليل المظلم والبرد القاسي، فلمَّا أدركه التعب وأهلكه البرد، دخل ذلك البيت القريب منه، ونام، وكان في المكان الذي نام فيه ابنة صاحب البيت ولكن علي الحمر من شدة التعب ولفح البرد لَمْ يعلم عنها كما أنه لا يعلم من هو صاحب هذا البيت ولكنَّ الله كتب بحكمته وإرادته أن هذا البيت الأخير هو بيت شيخ هذه القبيلة ووالد زوجة صاحب البيت الأول، فلما جاء الصبح أتي ولد شيخ القبيلة ليوقظ أخته فوجد هذا الرجل نائمًا معها فعزم على قتلهما ولكنَّ قال سأتريَّث حتى أستشير أخي الأكبر، فاستدعى أخاه الأكبر فغضب الأخ الأكبر غضبًا شديدًا وقال سأخبر والدي بالأمر، فأتى الوالد فلما رأي المنظر استدعى الأم ليريها المنظر، فدهشت الأم ولكنها قالت مخاطبة زوجها: والله إني لَمْ أخنك في وعرضك ولم أوطأ أحدًا فراشك، والله إن ابنتي مثلي، والدليل لو أنَّها عالمة أو أن صاحبها الذي نام حولها عنده نيَّة شر لما نام حتى الآن طلوع الشمس، ولكن لعله
(١) الدبدوب: ما يوضع على رقبة الناقة تجميلًا لها ولا يضع إلَّا على الناقة الأصيلة كما قال الشاعر سلطان الأدغم من سُبيع (شقح البكار اللِّي زهن الدباديب).