ويغيب ثلاثة أشهر ثم يعود وقد عبل وسمن وآثار الخضرة بادية في شدقيه، فقال لابنه عمرو: تفقد يا بني هذا البعير فإذا شرد فاتبع أثره حتى تنظر إلى أين ينتهي، فلما كان الربيّع وشرد البعير تبعه على ناقة فلم يزل يقفو أثره حتى صار إلى جبل (طيئ) فعاد وأخبر أباه وسار طيئ بإبله وولده حتى نزل الجبلين ورأي طيئ وبنوه بالجبلين الخصب والمراعي ورأو الأسود بن غفار الجدسي قاتل عمليق ملك طسم وجديس وقد لاذ بالجبلين فرارا من حسان بن تبّع فصارعوه على المكان وغلبوه وخلص لهم الجبلان).
هذه الرواية (الأسطورة) أوردها عدد من المؤلفين مثل ياقوت الحموي في مادة أجا، وأبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني وابن الأثير وكررها كل من تطرق لسيرة طيئ وهجرتها.
ومهما كان السبب والدافع فإن هجرتهم تمت واستقروا بالجبلين وغلبوا من كان فيها من القبائل التي سبقتهم في السكن كما أسلفنا، ووجدوا في شعاب وأودية وسهول وجبال المنطقة ما يشبه مواطنهم الأصلية في اليمن، كما أن هواءها ووفرة مائها ومراعيها عامل يشجع على البقاء والاستقرار.
وبما أنهم غلبوا من سواهم من السكان في الجبلين وما حولها فإن انتشارهم شمالًا وصل إلى تخوم الشام وغربًا حتى وادي الحجر وتيما وشرقا حتى حدود سواد العراق، ومن الجنوب منازل غَطَفَان وبني أسد في الجنوب الشرقي ولكن ذلك الانتشار خاضع لأسلوب القبائل التي تبحث عن مواطن الماء والكلأ فلم يكن تنقلهم رحيلا عن مكان استقرارهم في الجبلين فقد اتخذتها موطنًا أبديا لها وأقامت فيها المعالم التي وردت في كثير من أشعار القبيلة مما يدلُّ على استقرارهم في الجبلين من الجاهلية حتى هذا الوقت حيث قبيلة شمَّر التي هي إحدى بطون طيئ.