للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استمتعي بها، فأتتها امرأة من هوازن وكانت تغشاها فسألتها، فقالت دونك هذه الصرمة، فقد والله مسني من الجوع ما آليت أن لا أمنع سائلا ثم أنشأت تقول:

لعمري لِقْدما عضني الجوعُ عضةً … فآليت ألا أمنعَ الدهرَ جائعا

فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني … وإن أنت لم تفعل فعضَّ الأصابعا

فماذا عساكُم أن تقولوا لأختكم … سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا

وماذا ترون اليومَ إلا طبيعةً … فكيف بتركي يا ابن أمي الطبائعا؟

ونقتطف بعض الأخبار التي تشهد بكرم هذا الرجل، ونتعرف من خلالها على أسرة حاتم الطائي التي كانت تعاني أحيانا ألم الجوع والبؤس، فتصير مع راعيها على ذلك، حتى إذا ما دعي إلى البذل وتلبية نداء الواجب والحاجة والعوز نراه يهب مسرعا ليضحي في سبيل ذلك بكل ما يملك، ولنستمع إلى زوجته النوار تحدثنا عن بعض أخباره العجيبة في الكرم فتقول:

"كل أمره كان عجبا! أصابتنا سنَّة حصن كل شيء أي حصدت كل شيء، فاقشعرت لها الأرض، واغبرت لها السماء، وضنت المراضع على أولادها، وراحت الإبل حدباء ضامرة؛ أي أصبحت حدباء ضامرة ما تبض بقطرة، وحلقت المال وانا في ليلة صَنّبر (باردة) بعيدة ما بين الطرفين؛ إذا تضاغى الأصبية من الجوع؛ عبد الله وعدي وسفانة فوالله إن وجدنا شيئا نعللهم به، فقام إلى أحد الصبيان فحمله وقمت إلى الصبية فعللتها، فوالله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل، ثم عدنا إلى الصبي الآخر، فعللناه حتى سكت وما كاد، ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل فأضجعنا الصبيان عليها، ونمت أنا وهو في حجرة والصبيان بيننا، ثم أقبل علي يعللني لأنام، وعرفت ما يريد فتناومت، فقال: مالك أنمت؟ فسكت، فقال: ما أراها إلا قد نامت وما بي نوم، فلما ادلهمَّ الليل وتهورت النجوم، وهدأت الأصوات وسكنت الرجل؛ إذا جانب البيت قد رفع، فقال: من هنا؟ فولى، حتى إذا قد أسحرنا أو كدنا عاد فقال: من هذا؟ قالت: جارتك فلانة يا أبا عدي، ما وجدت على أحد معولا غيرك أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع قال: أعجليهم علي. قالت النوار:

<<  <  ج: ص:  >  >>