للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فوثبت: فقلت: ماذا صنعت؟ أضطجع والله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم، فكيف بهذه وبولدها؟ فقال: اسكتي، فو الله لأشبعنك إن شاء الله.

قالت: فأقبلت تحمل اثنين وتمشي جنبيها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها. فقام إلى فرسه فوجأ بحربته في لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمديه فكشط عن جلده، ثم دفع المدية إلى المرأة ثم قال: دونك، ثم قال: ابعثي صبيانك فبعثهم، ثم قال: سوءة، أتأكلون شيئا دون أهل الصرم فجعل يطوف فيهم حتى هبوا وأقبلوا عليه، والتفع في ثوبه، ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا والله ما ذاق مزعة، وإنه لأجوعهم إليه، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم أو حافر (١) .. وقالت امرأة حاتم لحاتم: يا أبا سفانة أشتهي أن آكل أنا وأنت طعاما وحدنا ليس عليه أحد، فأمرها فحولت خيمتها من الجماعة على فرسخ، وأمر بالطعام فهيئ، وهي مرخاة ستورها عليه وعليها، فلما قارب نضج الطعام كشف عن رأسه ثم قال:

فلا تطبخي قِدري وسترك دونها … عليّ إذن ما تطبخين حرامُ

ولكن بهذاكِ البقاع فأوقدي … بجزل إذا أوقدت لابضرام

قال ثم كشف الستور وقدم الطعام للناس فأكل وأكلوا، فقالت: ما أتممت لي ما قلت فأجابها: فإني لا تطاوعني نفسي، ونفسي أكرم علي من أن يثني على هذا، وقد سبق لي السخاء ثم أنشد يقول:

أمارس نفس البخل حتى أعزها … وأترك نفس الجود ما أستثيرها

ولا تشتكينِّي جارتي غيرَ أنها … إذا غاب عنها بعلها لا أزورها

سيبلغةا خيري ويرجع بعلُها … إليها، ولم تقصر عليها ستورها

قال أبو عبيدة: إنه لما بلغ حاتم طيئ قول المتلمس:

قليلُ المال تصلحه فيبقى … ولا يبقى الكثير على الفساد

وحفظُ المالِ خير من قناةٍ … وعسفٍ في البلاد بغير زاد


(١) السيرة النبوية لابن كثير ١/ ١٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>