للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ما له قطع الله لسانه حمل الناس على البخل؟ … فهلا قال:

فلا الجود يفني المال قبل فنائه … ولا البخل في مال الشحيح يزيدُ

فلا تلتمس مالا بعيش مقترٍ … لكل غدٍ رزق، يعودُ، جديدُ

ألم تر أن المال غادٍ ورائح … وأن الذي يعطيك غيرُ بعيد

ومن عيون شعر حاتم الذي يظهر فيه فخره بكرمه وعفته وحماسه:

فأقسمتُ لا أمشي إلى سِرِ جارةٍ … يدَ الدهر ما دامَ الحمَامُ يغرد

ولا أشتري مالا بغدر علمتُه … ألّا كلُّ مالٍ خالط الغدر أنكر

إذا كان بعضُ المال ربًا لأهله … فإني بحمد الله مالي معبد

يفك به العاني، ويُؤكلُ طيبا … ويعطي إذا أمن البخيل المصرّد

إذا ما البخيل الليل أخمد ناره … أقول لمن يصلى بناريَ: اوقدوا

ويمضي الإخباريون في سّبع كرم حاتم، ويفجعهم الموت بوفاته، فيجمح بهم الخيال ويصنعون له أسطورة في السخاء حتى بعد موته، ومن يدري فلعل الطائيين، ومعهم عدي، أرادوا أن يبقى حاتم جوادا وهو راقد في قبره، فكانت هذه الحكاية العجيبة التالية.

وتذكر طيئ أن رجلا يعرف بأبي خيبري مر بقبر حاتم، فنزل به، وبات يناديه.

يا أبا عدي أقر ضيفك، فلما كان في السحر وثب أبو خيبري يصيح: وا راحلتاه فقال له أصحابه: ما شأنك؟ فقال: خرج والله حاتم بالسيف حتى عقر ناقتي وأنا أنظر إليه، فنظروا إلى راحلته فإذا هي لا تنبعث، فقالوا: قد -والله - قراك فنحروها وظلوا يأكلون من لحمها، ثم أردفوه وانطلقوا، فبينما هم كذلك في مسيرهم طلع عليهم عدي بن حاتم ومعه جمل أسود قد قرنه ببعيره، فقال: إن حاتم جاءني في المنام فذكر لي شتمك إياه، وأنه قراك وأصحابك راحلتك، وقد قال في ذلك أبياتا ورددها علي حتى حفظتها:

<<  <  ج: ص:  >  >>