للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا خيبريّ وأنت امرؤ … حسودُ العشيرة لوَامُها

فماذا أردت إلى رقَة … بداويةُ صخيب هامُها

تبغَّى أذاها وأعمارها … وحولك عوفُ وأنعامها

وأمرني بدفع جمل مكانها إليك، فخذه، فأخذه (١).

وقد مات حاتم في (عوارض) جبل في بلاد نجد سنة ٤٦ قبل الهجرة وعاش ستين سنة (٢)، وعوارض اليوم تسمى ثوران وهو المكان الذي عاش فيه حاتم ومات فيه، وهو مكان يبعد عن مدينة (حائل) حوالي خمسة وأربعين كيلو مترا، وقد هيئ لي أن أرور المكان برفقة أحد شباب قبيلة شمَّر. ولا أراني عندما وقفت على بقايا بيته وعلى قبره إلا أن أردد ما ردده الشاعر البرجمي عندما قال:

يعيش الندى ما عاش حاتم طيئ … فإن مات قامت للسخاء مآتمُ

ولكن ما ميزان كرم حاتم في الإسلام؟ فإذا كان هذا كرم حاتم، وكانت هذه أخلاقه فماذا تحدث عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

روى البيهقي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: يا سبحان الله ما أزهد كثيرا من الناس في الخير! عجبا لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلا، فلو كان لا يرجو ثوابا، ولا يخشى عقابا لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاة.

فقام إليه رجل وقال: فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين؟ أسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، وما هو خير منه، لما أتي بسبايا طيئ، وقفت جارية حمراء لعساء، زلفاء، عبطاء شماء الأنف، معتدلة القامة والهام، درماء الكعبين، خدلجة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين قال: فلما رأيتها أعجبت بها، وقلت: لأطلبن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجعلها في فيئي، فلما تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت: يا محمد إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب، فقد


(١) الشعر والشعراء لابن قتيبة ١/ ١٧٠.
(٢) الأعلام للزركلي ٤/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>