للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدلُّ على فصاحة خَثْعم هذا الخبر، فقد روى أهل الكتب الصحيحة في الحديث وأئمة أهل اللغة والأدب، أنه خرج إحدى عشر امرأة من خَثْعم وهي قبيلة من قبائل عرب اليمن وكانت في قرية من قرى اليمن في الجاهلية إلى مجلس فجلسن وقلن تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب فتعاهدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا. فتكلمت كل واحدة منهن ووصفت زوجها بكلام بلغ من فصاحة الألفاظ وبلاغة العبارة والبديع ما لا يزيد عليه.

ولاسيما كلام الأخيرة منهن وهي أم زرع فإنه مع كثرة فصوله وقلة فضوله مجتاز الكلمات واضح السمات نير النسمات، قد قدرت ألفاظه قدر معانيه، وقررت قواعده وشيدت مبانيه أفرغ في قالب الانسجام، وأتي به الخاطر بغير تكلف، وجاء لفظه تابعا لمعناه منقادا له غير مستكره ولا منافر، والله يمن على من يشاء بما شاء لا إله إلَّا هو (١). ولنذكر كلامهن بدون شرح ولا تعليق كما ورد في بلوغ الأرب للآلوسي (٢).

قالت الأولى: وهي مهدد بنت أبي هزومة: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل وعث، لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقي.

قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.

قالت الثالثة: وهي كبشة بنت الأرقم: زوجي العشق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.

قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة، والغيث غيث غمامة.

قالت الخامسة: وهي حبي بنت علقمة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد، ولا يرفع اليوم لغد.


(١) الآلوسي "بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب" ج ٢، ص ٣٥.
(٢) ج ٢، ص ٣٥، لَمْ ينفرد الآلوسي بهذا الخبر، فقد رواه قبله الشيخان، والنسائي والطبراني. وشرحه ابن حجر شرحا وافيا في "فتح الباري شرح صحيح البخاري" ج ٩، ص ٢٠٩ - ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>