للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يشعروا بها إلَّا وهي طالعة عليهم فجأة مع خريمة الجبل. وهذه الإبل تساق إلى حي يحفظون جيرانهم إذا نزلت بهم الخطوب العظيمة لأجل المحافظة على ولائهم.

كِرَامٌ فَلَا ذُو التَّبْل مُدْرِكُ تَبْلِهِ … لَدَيْهْم وَلَا الجَاني عَلَيْهِمْ بِمُسْلَمِ

قال أبو العباس ثعلب: التَّبْلُ، والضِّغْنُ، والْحقْدُ، والغُمْرُ، والضَّبُّ، والحَسَيَفَة والحَسيكَة، والدِّمْنَةُ: غِلٌّ في الصدر يجده الرَجل على صاحبِهِ، ويقال: لي عند بني فلان. طَائِلة، وَذَحْلٌ، وتَبْلٌ، وَوَتْرٌ، وَوَغْرٌ، ودِعْثٌ. هَذا كله شيء واحد.

قلت: التبل في البيت: بمعنى الوتر، وهو أنهم كرام، فلا يدرك صاحب الحقد ثأره منهم، ولا يخذلون من جنى عليهم من جيرانهم، وحلفائهم، بل يمنعونه ممن رامه بسوء.

سَئمْتُ تكَاليف الحَيَاةِ ومَن يَعشْ … ثَمَانِينَ حَولًا لَا أَبَالَكَ يَسْأَمِ

رَأَيْتُ المَنايَا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ … تُمِتْةُ وَمَن تُخطِئ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ

يقول زهير: إني مللت مشاق الحياة والشدائد التي نالتني بها ليس بوسعي تحملها وحُق لمن مثلي عامثن ثمانين سنة أن يسأم.

قلت: هذا البيت من زهير يدلُّ على حصافة ورأي سديد واعتبار بمن مضى من الأمم، وفرق بين عقليته وعقلية أناس اليوم، فكثير من شيوخ هذا الزمن إذا كبر كبر معه حب الدنيا وطول الأمل. فتراه يزيد حرصه على المال وهو لَمْ ينتبه أنه عاش كلّ هذه السنين وهو مرروق ولم يمت جوعًا. فالذي رزقه كلّ هذه المدة لا شك أنه قادر على أنَّ يرزقه ما بقي من عمره، ولكننا لا نعتبر ولا نفكر.

وأما قول زهير: رأيت المنايا خبط عشواء. فهذا على حسب معلومات الجاهليين وظنونهم، أما الحقيقة التي عرفناها من دين الإسلام فهي أن المنايا لا تأتي إلَّا بأمر الله وذلك حين ينتهي الأجل والرزق فلم يعد للإنسان بقاء في هذه الدنيا. حينذاك يقول الله اقبضوا روح عبدي ليس بعد الأربعين نمو، والشيخ إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>