للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقدرة، وأقر بالبعث والنشور، والثواب والعقاب، والحفظة وغير ذلك مما جاءت به الحنيفية البيضاء وهذا أدل دليل على يقينه وإيمانه (١).

وقال هؤلاء وغيرهم: إن زهيرًا كان يتكلم بالحكمة، وكان شعره موافقًا لما جاء به الإسلام، فمن ذلك قوله:

فلا تكتمن الله ما في نفوسكم … ليخفي ومهما يكتم الله يعلم

يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر … ليوم الحساب أو يعجل فينقم

فإيمانه واضح في هذين البيتين: فهو مؤمن بالله وبعلمه وأن الله لا تخفي عليه خافية. كذلك إيمانه بالجزاء والحساب، وأن المعاصي إما أن تعجل العقوبة لصاحبها في الدنيا، وإما أن تؤخر له في الآخرة. فهذا من الأدلة على إيمانه، ثم إنه يقول أيضًا:

تزوّد إلى يوم الممات فإنه … ولو كرهَتْه النفس آخر موعد

ويقول:

حياض المنايا ليس عنها مزحزح … فمنتظر ظمئًا كآخر وارد

خبال وسقم مضني ومنية … وما غاب إلَّا آخر شاهد

فلو كان حي ناجيًا لوجدته … من الموت في أحراسه رب رامد

أو الخضر (٢) لَمْ يمنع من الموت ربه … وقد كان ذا مال طريف وتالد

ألم تر أن النّاس تخلد بعدهم … أحاديثهم والمرء ليس بخالد

قالوا: وهذا أيضًا إيمان بفناء الدنيا وهو موافق لما نحن مؤمنون به. وقالوا: إنه كان يمر بالغضاة. وقد أورقت بعد يبس ويقول: لولا أن تسبني العرب لآمنت


(١) بلوغ الأرب (٢ - ٢٧٨).
(٢) الحَضْرُ اسم مدينة بنيت بالحجارة المهندمة بيوتها وسقوفها وأبوابها كان يقال لملكها الساطرون فزال ملكهـ كما زال غيره من الأمم وانهدمت الحضر وسورها العجيب، فما أعظم العبر وأكثرها لو نعتبر. انظر المعجم الياقوت.
قلت: والحضر أيضًا جبل قائم على مدينة الفوَّارة من الشرق لكن المقصود عند زهير هي مدينة ذكرت هذا البيان الاختلاف في الإتلاف، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>