لقد عاشت نجران - بلاد يام - في العصور التي تلت ازدهار دولة المسلمين، حياة قاسية ملؤها العنف والدمار، فكانت نجران وأهلها في هذه العصور مثلها في العصور القديمة التي أتت قبل الإسلام وقبل الميلاد أيضًا، حيث كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بما حولها من دول أقيمت على أرض الجزيرة العربية، وذلك نظرا لأهمية موقعها المتميز داخل الجزيرة. والذي يربط بعضها في بعض؛ إذ إنه في معظم العصور خضعت نجران "بام" لبعض الدول القريبة منها أو سيطروا هم أي يام - على بعض المناطق، وأنشأوا فيها دولا كبرى، وقد كانت سيطرتهم أكثر مع دول - معين وسبأ وحِمْيَر. وكذلك اليونان والرومان، حيث تعرضت نجران الحملات عسكرية كانت منها حملة (يتع آثر بين) ابن المكرب الحميري سنة ٦٦٠ ق. م، قتل فيها حوالي (٤٥) ألف، كما تعرضت لحملة أخرى من آخر ملوك سبأ (كرب آل وثر) قتل فيها أكثر من خمسة آلاف كما تعرضت لحملة بشعة على يد القائد الروماني (غاليوس) من دور (أغسطس) وذلك في عام ٣٤ ق م ثم لحملة الملك الحميري (ذونواس) الذي اعتنق اليهودية المحرفة وأراد أن يجبر عليها أهل نجران فقاوموه لقناعتهم بصحة ما هم عليه من الديانة النصرانية، فغزاهم بجيش عظيم وأوقع فيهم القتل والحرق وحفر لهم الأخاديد والتي لَمْ تزل آثارها حتى اليوم شاهدا على همجية حاكم يقتل قومه في سبيل معتقد يرفضونه، وقد أكدت الآية الكريمة ذلك بالقول الكريم: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)} [البروج: ٧، ٨].
وكان غزو ذونواس هذا إلى نجران عام ٥٢٥ م.
وفي بداية الدعوة النبوية الكريمة أوفد أهل نجران وفدا من الأساقفة والأحبار والرهبان لمقابلة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حيث جاؤوا المدينة المنورة ودخلوا على الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد ليسألوه عن الدين الجديد، فقال الأسقف للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يا أبا القاسم: موسى من أبوه؟ .. قال عمران. قال يوسف؟ .. قال يعقوب، قال: أنت من أبوك؟ .. قال: عبد الله بن عبد المطلب، قال عيسى من أبوه، فسكت النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزل عليه جبريل عليه السلام - بالوحي فتلا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ … (٥٩)} [آل عمران]، فنزئ الأسقف ثم خر مغشيا عليه، ثم