بالحماس والأمل، وأنشد أجمل أشعاره وهو في سجنه فطار شعره بالآفاق بغير جناح، فهو قد تذكر قومه وأفعالهم ومناوءتهم للأعاجم، ثم شرح جانبا من حياته ومعاناته القاسية في سجون الأتراك وهذا يذكرنا بالفارس العربي الشجاع فارس بني حمدان حبيب بن سعيد المُلقَّب بأبي فراس الحمداني، ذلك الأمير الشاعر الذي عانى في سجن خرشنة مع الروم ما عاناه الأمير الشاعر راكان بن حثلين في سجن الأتراك، وكلاهما بطل همام وفارس لا يضام، فها هو أبو فراس يخاطب طائر الحمام الذي رآه يحوم فوق سجنه:
أقول وقد ناحت بقربي حمامه … أيا جارتا لو تعلمين بحالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا … تعالى أقاسمك الهموم تعالي
وها هو راكان يخاطب ذلك الطائر بلهجته البدوية البليغة:
لا واهني يا طير من معك حسام … ولا أنت تنقل لي حمايض علومي
ان كان لامن حمت وجهك على الشام … أيسر مغيب سهيل تبقى تحومي
اكتب معك مكتوب سر ولالام … ملفاه وربع كل أبوهم أقرومي
ومن سايلك عني فأنا من بني يام … من لابة بالضيق نقضي اللزومي
نعم، يفتخر راكان بقومه بني يام فهم من أنبل القبائل العربية محتدا، ومن ذؤابتها مقدما، فهي كانت ولا تزال من غر القبائل وأنصعها؛ لذلك حق لراكان أن يفتخر ويعتز بها وهي عنده بمثابة القلب من الجسد والعين من الرأس.
ولراكان قصائد عظيمة شرح فيها أفكاره وفلسفته في الحياة ومحبته لأهله وقومه بني يام، كما شرح لنا مأساته في سجنه:
با بو هلا ليتك تشوف … حطوني في العسكر نظام
يقودوني قود الخروف … يالعسكري ولد الحرام
وقال هذه القصيدة وهو في سجن العثمانيين يخاطب أحد الطيور الحائمة في السماء: